قومة “عبد السلام ياسين” : الإسلام أو الطوفان !

“وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا، لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا”

هذه الآية الكريمة من سورة الكهف لها وقعٌ عظيم في نفوس الصوفية، بها يحتجّون على جواز القيام إلى الرقص إذا تغشّتهم سكرةُ الشوق إلى الله، ومن تلك الآية اشتق المعارض المغربي الإسلامي العنيد  “عبد السلام ياسين” شعار حركته ومشروعه السياسي:

“القَوْمة”

فاستبدل بها مصطلح:

“الثورة” !

 حيلةٌ لغوية حميدة لتجنّب الصدام المبكّر – تُحسَبُ له – ومُلخّص الحكاية العجيبة أنّ ملك المغرب الحسن الثاني – رحمه الله – كان قد قرّر المشاركة في الحرب على إسرائيل فدفع بالقوّات الملكية المغربية بين عامي 1973-1974 إلى جبهة الجولان لمساندة القوّات السورية مما خفّف الضغط على الجبهة المصرية الغربية، ومكّن المصريين من المغامرة بالقفز إلى العَدْوَة الشرقية لقناة السويس وكتبَ اللهُ لهم شيئاً لا يُنكَر من النصر. وأريقت دماء غزيرة من الشهداء المغاربة الثابتين في خنادق الجبهة الشرقية، فجزاهم اللهُ – ومن دَفعَ بهم – خيراً، “لا يشكر الله من لا يشكر الناس” (*).

ذاك العصر المضطرب سياسياً ودينياً واجتماعياً واقتصادياً كان عصر “الانقلابات والثورات” في ظل الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وتعقيدات الحرب الاستثنائية بين العرب وإسرائيل، وكان النظام المغربي بصفة خاصة تحت ضغط الانشغال باسترجاع الأقاليم الصحراوية من الاستعمار الإسباني ….

 ففي ذلك التوقيت الحرج – جدّاً – تفَصَّى من جَنْب النظام الملكي المغربي شيخٌ صوفي يُدعى “عبد السلام ياسين” فنهض إلى الملك كما ينهض المارد من القمم برسالة فِجَّة عنوانها:

“الإسلام أو الطوفان”

  !!!

أخذت أصحاب ياسين روعَة الصدمة ففتنوا به وشبّهوا نهضته بقيام موسى – عليه السلام – إلى فرعون – لعنه الله – !

أما السلطات المغربية فاحتارت في خَرجَة الصوفي العائد من الديار اللبنانية بخلطة فكرية “خُمينيّة”، “مَوْدوديّة”، “إخوانية”، “صوفيّة”!

وتساءل الناس هنالك عن الجهة الخفية التي أوعزت إليه بالنهوض في ذلك التوقيت الحَرِج ؟

وهل هي حركة دينية سياسية من عاقلٍ سليم الدماغ أم مُجرّد جَذْبَة ناهضٍ بجُرعة زائدة من مُخرّف يزعم أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة يجالسه ويُحاوره؟

أحيل الشيخ المعتل بالجذبة إلى الحبس ثم إلى مشفىً للأمراض العقلية والنفسية ثم أفرِجَ عنه درءاً للفتنة، ومن المعلوم أنّ أول سؤال يطرحه الأطباء على المريض في تلك المشافي:

هل تسمعُ أصواتاً ؟

ثبت الشيخ على مقالته ومضى يجمع الأتباع في عمل شاق دؤوب عنيد لأكثر من ثلاثين سنة صابراً مُحتسباً حتى حشد عشرات الألوف من المريدين وشحنهم بجرعات من التعصّب والتعنّت، يَعِدُهم ويَمنّيهم بثورة الغضب الجماهيري، ويحذّر النظام من يوم الطوفان ويردّدّ ما قاله نوحٌ عليه السلام:

إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ”

 ــــــــــــــــــــــــــ

* – من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود وصححه ابن حبان.                

نسخة للطبع نسخة للطبع