كيف خدم الربيع بن سليمان شيخه الشافعي ؟

لما تربّع سيدنا الإمام الشافعي على عرش الفقه في المسجد الجامع بمصر جلس بين يديه شيوخ مصر من أساطين الفقه والعلم ولم يكن الربيع بن سليمان ذا شأن يُذكر بالمقارنة بهم.

الربيع مؤذن الجامع كان مجرّد شاب حديث السنّ يستملي للمحدثين والشيوخ في جامع الفسطاط [جامع عمرو بن العاص]،  فلما حضر الشافعي أصبح ورّاقه ومستمليه، وكان في حلقة الشافعي من أصحابه مَنْ هو أعلم وأفقه وأجلّ قدراً من الربيع كما أشار إلى ذلك الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ القرطبي المالكي والحافظ السبكي في طبقات الشافعية.

  حلقة الشافعي كانت كعقد اللؤلؤ والمرجان، مليئة بالنجوم والجواهر من أكابر الفقهاء والمحدثين، فلم يكن الربيع المُستملي فيهم إلا كحلقة وصلٍ، يُبلّغ وينسخ ويقرأ لهم، [مكبّر صوت، ضابط المحضر] لكن تلك الخدمة هي التي كان الإمام الشافعي في حاجة ماسّة إليها لضبط أقواله ومذهبه الجديد في زمن وجيز، ولذلك كان الشافعي يقول :

“ما خدمني أحد ما خدمني الربيع”

فلما اشتد مرض الموت بالشافعي اجتمع عنده أصحابه؛ البوطي والمزني وابن عبد الحكم وكانت بينهم منافسة على خلافة الشافعي، فقال الشافعي في كل واحد منهم قولاً ثم نظر إلى الربيع بن سليمان المرادي فقال:

“أما إنه ما في القوم أنفع لي منه، ولوددتُ لو حشوته العلم حشواً”

وفي رواية :

“وأما أنتَ يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب، قم يا أبا يعقوب [يعني البوطي] فتسلّم الحلقة”

[رواه الخطيب في تاريخ بغداد]

وقال – رحمه الله – عند موته :

“الربيع راويةُ كُتُبي”

 والمحصّلة مما تقدّم أنّ الربيع لم يكن أفقه أصحاب الشافعي لكنه الثبت الأوثق في النقل عنه، والمصدر المعتمد في رواية الكُتب الجديدة المصححة، ولذلك قال السبكي في ترجمته:

 “المؤذن صاحب الشافعي وراوية كتبه ، والثقة الثبت فيما يرويه حتى ولو تعارض هو وإبراهيم المزني في رواية لقدّم الأصحاب روايته مع علوّ قدر أبي إبراهيم علما وديناً وجلالة …. إلخ”

[طبقات الشافعية 1/259]

مات الشافعي سنة 204 فخلفه البوطي على الحلقة وكان جبلاً من جبال العلم، من أعظم أصحاب الشافعي وأكبرهم قدراً وجلالة وفقهاً ثم مات سنة 231 ومات الكبار من أصحاب الشافعي الذين ساهموا في ترسيخ مدرسة المذهب إلا الربيع بن سليمان  ! 

شاء الله له أن يعمّر طويلاً ويحلّق بعيداً وينفرد وحيداً في رواية الكتب المنقّحة المصححة المُجدّدة بالسماع العالي المتصل عن الشافعي فرحل إليه الناسُ من أقطار الأرض فأخذوا عنه أمهات الكتب كالرسالة والأُم وغيرها من الكتب إلى أن مات سنة 270 رحمه الله.

بقيت حكاية أخرى ..

كيف نجح المذهب الشافعي في القضاء على المذهب الأوزاعي ولماذا فشل في القضاء على المذهب المالكي ؟

حكاية ممتعة، فيها عبر ومواعظ، نعود إليها إن شاء الله في وقت لاحق …

نسخة للطبع نسخة للطبع