لماذا أعجب بعض المحدثين بخرافة سفينة ؟

الحديث المفترى ” الخلافة ثلاثون سنة ثم يكون ملكاً “

سلاحٌ ذو حدّين !

فمن جهة فيه ردٌّ على من أثبت خلافة معاوية .

ومن جهة فيه ردّ على أنكر خلافة علي .

” رضي الله عنهما “

كان بعض الناصبة في الشام ينكرون خلافة علي بن أبي طالب ويأبون التربيع به ، ولذلك تساهل بعض أئمة السنة في احتجاج عليهم بحديث سفينة لأنه يثبت الخلافة لعلي رضي الله عنه .     بل كان الإمام أحمد بن حنبل يعجبه الاحتجاج بحديث الأحجار ولا يستنكره !

وحديث الأحجار يرويه حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان عن سفينة مرفوعاً ، وفيه بيان سبب ورود الحديث النبوي المزعوم ومما جاء فيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما بنى مسجد قباء وضع حجراً ثم جاء أبو بكر فوضع حجراً إلى جنب حجر النبي ثم جاء عمر ففعل كذلك ثم جاء عثمان إلى آخر الحديث وفي آخره قول النبي صلى الله عليه وسلم :

 ” هؤلاء هم الخلفاء بعدي ” .

هل يعقل أن يكون هذا الحديث صحيحاً ؟؟

أين كان هذا النص عند اختلاف الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم … 

بقليل من التأمل يظهر لك الكذب الصريح في هذا الحديث …

ولذلك أنكر الإمام البخاري هذا الحديث فأورده في ترجمة حشرج وقال : ” هذا لم يتابع عليه لأن عمر بن الخطاب وعليا قالا لم يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم ” [ التاريخ الكبير 3/117 ] .
وسعى ابن عدي في الكامل إلى الردّ على الإمام البخاري فأورد للحديث شاهداً بإسناد آخر ليجبره به فلم يأت بشيء لأن فيه محمداً بن الفضل بن عطية كان يضع الحديث ، متفق على تكذيبه .

وأما الإمام أحمد بن حنبل فتساهل في رواية الحديث عن سفينة للردّ على الناصبة فقال لصاحبه الإثرم : 

“اكتب هذا فإنه يقوي قول من ذهب إلى أن علياً خليفة ، وأملاه علينا من كتابه ” [ رواه الخلال في العلل ] .

وأما الإمام أبو داود السجستاني صاحب السنن فأحال إلى أمر خفي  قد هاب التصريح به حين سأله الآجري عن سعيد بن جمهان راوي الحديث عن سفينة فأجاب أبو داود : 

” هو ثقة إن شاء الله وقوم يقعون فيه ،إنما يُخاف ممن فوقه وسمى رجلا يعني سفينة ” .

وأورده المزي في تهذيب الكمال ولم يعقّب عليه ولفظه في تهذيب :  ” وقوم يضعفونه ” وهو بمعنى ” يقعون فيه ” .

ولم يقدر الحافظ ابن حجر على تحمّل ذلك فلم ينقله ولم يعقّب عليه بل حذفه من تهذيبه . 

وبعض من لا يفهم اتهم الآجري بالتخليط على أبي داود ، واحتج قائلاً : إنّ الصحابة ممن لا يُخاف منهم .

ثم إنّ الخرافة أعجبت بعض المخلّطين من السلف في زمن الرواية فركّبوا للحديث النبوي أسانيد أخرى ملفّقة ، وممن رواه بنحوه علي بن زيد بن جدعان ، بصري من صغار التابعين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعاً وزاد فيه قصة عن  معاوية . وابن جدعان كان محترقاً على معاوية ، فيه غلوّ وتشيّع، وكان ضريراً لا يبصر ، كثير الخطأ ، ابتلي بالخرف والاختلاط ثم تخطّف الناس حديث ابن جدعان ودلّسه عنه بعض البصريين ، وركّب بعضهم للحديث أسانيد أخرى ، وفي الفتن تُفعل الأفاعيل ولا حول ولا قوّة إلا بالله …

نسخة للطبع نسخة للطبع