بلاد النوبة لم تسالم المسلمين في أول الأمر كما سالمت الحبشة، ومعلوم بالتواتر أن الحبشة والقبط والنوبة كانوا جميعاً على دين واحد؛ دين النصرانية، وأما سودان “البجة” فكانوا عبدة أوثان، وكانت تلك الممالك منفصلة عن بعضها لكن القبط والنوبة والبجة كانوا تبعاً لهرقل ملك ملوك امبراطورية الروم، وكانت الروم قد جمعت لمحاربة المسلمين جيشاً عظيماً من نحو مائتي ألف فارس وخمسين ألف راجل من النوبة والبربر والبجاوة والفلاحين وغيرهم ومعهم ثلاثمائة فيل كما جاء في كتب التاريخ، فكانت المواجهة الأولى مع النوبة، ولما فتح المسلمون مصر استنجدت الروم والقبط بالنوبة والبجة، فأمدّوهم بجيش خرج إلى أسوان على حدود مصر ومعهم ألف وثلاثمائة فيل مصفّحة بالفولاذ على كل فيل عشرة من السودان طوال القامة معهم الدرق والحراب والكرابيج والقسي والمقاليع وأعمدة الحديد والطبول والقرون فوقعت المواجهة الثانية وكلتاهما في عهد عمر بن الخطاب، فلما سكنت القبط بمعاهدة الصلح غزا عبد الله بن سعد بلادَ النوبة بأمر عثمان بن عفان سنة 31 هـ فكانت المواجهة الثالثة، ولما تبيّن للمسلمين انفصال النوبة والبجة عن الروم فصالحوهم بلا جزية .
وبه تعلم أنّ الجهاد ونظام الجزية أمرٌ لا علاقة له بالدين أو اللون أو العرق ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“دَعوا الحبشة ما وَدَعوكم، واتركوا التُرْكَ ما تركوكم”
[صحيح الجامع للألباني 3379]