لماذا كانت الحظوة للإمام مالك ؟


لماذا كانت الحظوة لمالكٍ ولم تكن لقرينه في الإمامة والفقه ؟

ما الذي صنع الفارق بين مالك والليث؟

أهو فارق في العلم والرُتبة والمنزلة ؟

كلا

جبلان شامخان، الليث كمالك كلاهما ثقة ثبت، وكلاهما أخذ العلم والحديث عن أبناء المهاجرين والأنصار، والليث كمالك لم يكن حشويّاً أو حاطب ليل بل كان واعياً فقيهاً عالماً، استقل بالفتوى في مصر وكان ذا مهابة ومنزلة رفيعة جداً في نفوس العامة والخاصة، عرض عليه أمير المؤمنين المنصور منصبَ الولاية على مصر بطولها وعرضها فاستعفى واستغنى بمجالس العلم.

هل كان الليث عاجزاً كسولاً في نشر العلم والفقه ؟

كلا

كان – رحمه الله – نشيطاً ذا همّة عالية، شهد على ذلك رئيس الفقهاء المالكية بمصر فقال :

” كان الليث له كلّ يوم أربعة مجالس:

–       أما أولها فيجلس لنائبة السلطان في نوائبه وحوائجه، وكان الليث يغشاه السلطان فإذا أنكر من القاضي أمراً أو من السلطان كتبَ إلى أمير المؤمنين فيأتيه العزل .

–         ومجلسٌ لأصحاب الحديث.

–         ومجلسٌ للمسائل، يغشاه الناس فيسألونه.

–         ومجلسٌ لحوائج الناس لا يسأله أحد فيردّه ..”.

رواه الخطيب في تاريخ بغداد [14/524] بإسناده عن أشهب بن عبد العزيز المصري المالكي وهو ممن ثَبَتَ على الانتصار للمذهب المالكي والذبّ عنه في الديار المصرية وكان من أبرز المساهمين في ترسيخ دعائم المدرسة المالكية.

 فما الذي صنع الفارق؟ 

 الإمام الشافعي سيجيبنا عن المعضلة
 ويكشف لنا سرّ الحظوة !

الشافعي الذي أتمّ حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين ثم لازم سيّدنا مالكاً منذ الطفولة فحفظ عنه “المُوَطّأ” كاملاً مكمّلاً وهو ابن عشر سنين قبل أن ينزل مصر على رأس القرن الثالث ليخلف الليث على رياسة المصريين هو من كشف سرّ الحظوة التي أنعم الله بها على الإمام مالك بقوله :  

“الليثُ أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به”

وفي رواية :

“ضيّعه قومُه”

وفي رواية:

“ضيّعه أصحابه” 

[تاريخ دمشق وتهذيب الكمال]

قال الإمام النووي معلقاً على تلك الشهادة العجيبة :

“يكفي في جلالته [يعني الليث بن سعد] شهادة الإمامين الجليلين الشافعي وابن بكير رحمهما الله تعالى أنّ “الليث أفقه من مالك” رضي الله عنهم جميعاً، فهذان صاحِبا مالكٍ رحمه الله وقد شهدا بما شهدا، وهم بالمنزلة المعروفة من الإتقان والوَرَع وإجلال مالكٍ ومعرفتهما بأحواله هذا كلّه مع ما قد عُلم من جلالة مالكٍ وعِظَم فقهه رضي الله عنه “.

هذا هو سرّ الحظوة
الأصحاب الشباب من أصحاب الهمم العالية هم من صنع الفارق 

أصحاب مالك عرفوا قدرَه فحفظوا علمه، واستخرجوا كنوز الفقه من صدره بحسن الاستماع وحسن المساءلة، فضبطوها ودوّنوها ورتّبوا مسائلها ونظموا فصولها، فوثّقوا مذهبه ونشروه في الآفاق حتى بلغ رعاة الإبل والغنم في شعاب الأندلس ومروجها.

أما أصحاب الليث فعرفوا قدره وحفظوا شيئاً يسيراً من علمه واكتفوا بعد ذلك بالثناء عليه والمفاخرة به حتى دهمهم الزمان بغدرته، وأفلت مفخرتهم بموته، أحثوا عليه التراب وقبروا علمه في صدره، ثم عضّوا أصابع الندم والحسرة قبل أن يقيل الله عثرتهم بالشافعي، وتلك أيام القرون الأولى خير القرون.

فانظروا كيف شمّر شباب مصر عن الساق بعد لدغة الفراق

والمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين

يتبع

نسخة للطبع نسخة للطبع