بالفقه السقيم قاد الإمام حسن البنا أسطولَ الحركات الإسلامية فاعتمد في البناء وترتيب الجداول على قوله صلى الله عليه وسلم:
“لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ”
ولا بد لنا هنا من وقفة لتصحيح الفهم السقيم الذي كان سبباً في قفزات الدواعش الذين تأهبوا وتحرّكوا لاستعادة أمجاد الامبراطورية وفتح إسبانيا والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم باثني عشر ألف ! وكأنها زريبة من زرائب المنوفية …
النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، والخبر من الأحاديث النبوية المختلف في صحة نسبتها، لكن لو سلّمنا جدلاً بصحته، فإنّه طرفٌ مجتزأ من خبر مقيّد بمناسبة وظرف يُحمَل تفسيره عليه، وهذا نصّ الرواية الكاملة :
“خَيْرُ الصحابة أربعةٌ، وخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ، وَخَيْرُ الجيوش أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ”
[رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم]
هذا الخبر يتكلم عن حالة خاصة بجزيرة العرب وزمان العهد القديم، حالة كانت معهودة ومفهومة عند السامع من السلف الصالح في زمانهم.
في ذلك العهد القديم كان يُخشى على المسافر أن يخرج وحيداً في الصحراء القاحلة الموحشة بلا رفقة، فكان خير الصحبة في السفر ما زاد على الثلاثة.
وخير السرايا أربعمائة لأنّ السرية تشكيلة عسكرية كانت تقوم بعمليات خاصة تحتاج إلى الخفة والتخفي، ولذلك سمّيت سريّة، فإذا زادت على الأربعمائة ثقلت وانكشفت، فتصبح عرضة للكمائن القبلية.
وخير الجيوش أربعة آلاف، وهو الحجم المناسب لوسائل الاتصال والسيطرة القيادية، وهو الخميس أي الجيش الكامل – كما شرحته من قبل – كان يُخمس على قلب ومقدمة ومؤخّرة وميمنة وميسرة، والخميس في جزيرة العرب في ذلك الزمان كان مهيباً لا يضيره الانكشاف والبطؤ في المسير بين دروب القبائل.
فإذا اجتمعت ثلاثة جيوش حُقَّ فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم – إن صح الحديث – “لن يُغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة”.
وهذا يا إخوان خاصّ بالعهد النبوي لأنّ القبائل العربية كانت متفرقة في الصحراء والشعاب والقرى، قليلة العدد، لم يكن لديها جيوش موحّدة كبيرة، وقد تحالف المشركون يوم الأحزاب فبالكاد بلغوا عشرة آلاف، وكانت هوازن من أكبر القبائل العربية فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر ألفاً ففاقهم عدداً، وأنزل الله في ذلك “إذ أعجبتكم كثرتكم” يعني بالمقارنة مع هوازن في تلك الوقعة الخاصة، إذ لم تكن هزيمتهم في أول الحرب من قِلّة.
هذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم، ألم يطلب سيّدنا سعدُ بن أبي الوقاص يومَ القادسية المَدَدَ من أمير المؤمنين وكان لديه ما يزيد على الثلاثين ألفاً من خيرة أجناد المسلمين ؟
ألم يستجدي السلطان صلاح الدين الأيوبي ملوكَ المسلمين في أطراف العالم الإسلامي لينجدوه بالأمداد لصدّ الحملات الصليبية ولديه عشرات بل مئات الألوف من المقاتلين.
في خضم الحملات الصليبية غزا ملك من ملوك الهند بلادَ المسلمين من ناحية المشرق سنة تسعين وخمسمائة بألف ألف جندي [أي مليون]، معهم سبعمائة فيل عليها رماة السهام والرماح فهل يُخرج لأمثالهم باثني عشر ألف رياضي …
أيام صلاح الدين تختلف عن أيام بني عبس وذبيان في زمن عنترة، وأيام البنا تختلف عن أيام صلاح الدين، وأيام بوش تختلف عن أيام هتلر !