نكمل حديثنا الممتع عن معجزة الإسلام في المغول والتتر…
ذكرنا ما نقله المؤرخون بالتواتر عن جرائم جنكز خان في بلاد المسلمين، إذ عاث في الأرض فساداً فدمّر جميع المدن والحواضر الإسلامية مدينة مدينة، وحرّق جوامعها ومساجدها مسجداً مسجداً، وأتلفها مصاحفها وتراثها كتاباً كتاباً، وقتل ملوكها وزعماءها زعيماً زعيماً، حتى بلغ مدينة السلام “بغداد” مفخرة الحضارة الإسلامية فأذلّ إمام المسلمين ودمّر عاصمة الإسلام تدميراً فتركها مزبلة نتِنَة عفنة تفوح منها رائحة الجثث والدماء، وارتعدت فرائص المجاهدين الأشاوس فكانت العصبة من الرجال تستسلم للمقاتلة الواحدة من نساء التتر، تقودهم عبيداً حيثما شاءت أو تقتلهم واحداً واحداً، ضُربَت على المسلمين الذلّة والمسكنة، والأمر لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم وقعت معجزة الإسلام، حدث أمر رهيب عجيب غريب حيّر المؤرخين! واللهِ لقد حيّر المؤرخين.
وقع انقلاب أشبه بانقلاب النهار على الليل في زمن وجيز، وقعت تفاعلات وإرهاصات غير تقليدية تشبه تفاعل القنبلة النووية، انفجار ضاغط بسرعة هائلة إلى درجة لا يمكن للعقل تخيّلها ينتهي بارتداد نووي ضوئي أشرقت به السماوات والأرض من جديد، ولذلك صعب على المفكرين والمؤرخين تفسير تلك الظاهرة التاريخية لخروجها عن المألوف، وكل ما يمكن الجزم به أنّ هنالك أخباراً متواترة قطعيّة الثبوت، وأخباراً برواية الآحاد ظنيّة الثبوت، أما خبر المتواتر فهو دخول المغول التتر إلى الإسلام وخضوعهم إلى الله بالركوع والسجود في مساجد المسلمين بعد زمن وجيز من كسر شوكة الإسلام، وأما الأخبار الآحاد فهي القصص والحكايات المتعلقة بمبدأ الارتداد.
أمر جنكز خان بإلغاء الإسلام فأبطل عقائده وعباداته وشرائعه ووضع للناس دستوره البديل “الياسق” أو “الياسا”، وألزم الناس بالخضوع له.
أليس من الطبيعي المعهود أن تخضع الأمة المغلوبة المذلولة للأمة الغالبة العزيزة؟
أليس ذلك هو المألوف الطبيعي في التاريخ البشري؟
أخذ جنكز خان الإسلامَ بقرآنه وأحاديثه النبوية وتراثه وأمجاده فألقاه في حفرة مُظلمة ليطفئ نورَ الله فلم يغن عن المسلمين سيف ولا سنان، وإذ في الحفرة سِرٌّ معجِز كسرّ الثقب الأسود في السماوات الذي حيّر الخبراء المتخصصين بعلم فيزياء الفلك أو ما يُعرف بفيزياء الكون، ثقب يبتع كل ما يقترب منه من المجرّات الهائلة بنجومها وكواكبها…
وكذلك ابتلع الإسلام المغول بملوكهم وخاناتهم ورجالهم ونسائهم، فرفعت الغُمّة، وقضي بينهم بالحق، وقيل الحمدُ لله ربّ العالمين .
للحديث بقية