نادرة في تفسير قول الله تعالى :
“يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وأثمهما أكبر من نفعهما”
القرآنُ الكريم أنصفَ الخمرَ فأثبت أنّ لها منافع للناس !
فما هي تلك المنافع؟
لا شكّ أن المسلمين من الجيل الأول الذين عاقروا الخمر قبل تحريمها كانوا أعلم منا بالمنافع الخمرية حين تُليت عليهم الآية أول مرة، أما الناس في زماننا فلا يعلمون عن منافعها إلا قليلا لأنّ كتب الفقه والتفسير كرهت الخوض في تفاصيل المنافع لتنفير الناس عن الخمر بعد أن استقرّ تحريمها!
وشذّ بعض العارفين فأفصح عن أسرار المنافع الخمرية، منهم الحافظ الإمام ابن قتيبة [ت 276 هـ] قال – رحمه الله – في كتاب الأشربة:
“منافع الخمر كثيرة لا تُحصى” !
ثم عدّد ابن قتيبة بعض منافع الخمر التي لا تحصى ومنها قوله:
” إنها تشجّع الجبانَ، وتَبْعَثُ الحَصِرَ العَيَّ، وقيل للعبّاس بن مرداس في جاهليته : لِمَ لا تشرب الخمر فإنها تزيد في جرأتك؟
والتُركُ وكثيرٌ من العجم يشربونها في الحرب، وكانوا في الجاهلية [أي العرب] ينالون منها يوم اللقاء، ولذلك اصطبحها قوم من المسلمين يوم بدرٍ قبل أن ينزل تحريمها “- إلى قوله –“ومن منافعها أنها تزيد في الهِمّة والكِبْر، وتُهيّج الأنَفة والأشَر” … إلخ
[ كتاب الأشربة ص 88 ]
وما ذكره ابن قتيبة شهد له شاعر النبي صلى الله عليه وسلم حسّان بن ثابت في قصيدته بالمؤيدة بروح القدس:
ونشربُها فتتركنا مُلوكاً
وأُسْداً لا يُنَهْنِهُنا اللقاءُ
أما قول ابن قتيبة : “ولذلك اصطبحها قوم من المسلمين يوم بدرٍ قبل أن ينزل تحريمها” لعله قصد يوم أُحد أو كان ذلك يوم بدر وأحد لأنّ تحريم الخمر كان بعد غزوة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة، ونص الرواية في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال :
“اصطبح الخمرَ يوم أُحُد ناسٌ ثم قُتلوا شُهداء “.
الصبوح هو أول ما يُشرب أو يؤكل في أول النهار، والاصطباح بالخمر على خلاف العادة لأنهم كانوا يشربونها في الغداء والعشاء في آخر النهار كما ذكر ابن قتيبة فالاصطباح بالخمر يوم اللقاء هو لزيادة الجرأة على القتال.
وللخمر منافع حربية أخرى فالمخبور الهائج أصبر على طعن الرماح وضرب السيوف لا يجزع لجرحٍ أو لكسرٍ، وأصبر على تحمّل الآلام، لا يشعر بألم عند المداواة بالكيّ أو البتر كما في قصة طبيب عروة بن الزبير، إلى غير ذلك من المنافع الكثيرة المنثورة في كتب الأدب والتاريخ العربي والتي يندر ذكرها في كتب الفقه والتفسير.
والمحصّلة أن طباع المخمور الحربي أشبه بطبع الخنزير الوحشي إذا هاج على خصمه، لا يهاب عدوّاً ولا يجزع لجرح، ألم تسمعوا بقصة أبي محجن الثقفي رضي الله عنه حين أفزعت فيلةُ الفرس جيشَ الإسلام يومَ القادسية فتنحى أبو محجن عن القوم فشرب الخمر ثم لبس درعه وحمل سيفه وخرج إلى العدو وهو يوصي ولَدَه قائلا
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإننـــــي
أخاف إذا ما مت أن لا أذوقهـا
فلماذا حرّم الله الخمر ؟