معذرة !
لا أقصد هذا الزمان …
ولا أعني القرّاء من أهل القرآن ..
هل تصدّق أنّ هذا ما كان عليه أصحاب الحديث المختصّون في رواية السنّة في القرون الأولى ؟
راوي الحكاية التي سنمتعكم بسماعها هو الإمام الثقة أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الهَمَذاني الوَهْراني رضي الله عنه ، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وتوفي سنة إحدى عشر وأربعمائة ، وكان ممن أدخل كتاب البخاري إلى بلاد الأندلس فأخذ عنه ابن عبد البر القرطبي وغيره الجامعَ الصحيحَ بروايته عن محمد بن عمر بن شبوية المروزي عن الفربري عن سيدنا البخاري رضي الله عنهم جميعاً .
ذكر القصة ابن بشكوال في كتاب الصلة في ترجمة أبي القاسم الهمذاني بإسناده إليه أنه قال :
لما وصلتُ إلى مدينة مَرْو من مدائن خُراسان سمعتُ الجامعَ الصحيحَ على محمد بن عمر بن شبوية المروزي ، فسمعنا عن شيخ بها يروي الحديث فأتيناه لنروي عنه أيضاً ، وكان اسمه علي بن محمد الترابي يُعرف به ، فوجدنا معه كتاباً غير بيِّن ، فوجدناه يقرأ في المصحف ، وعند أصحاب الحديث أن من لا يستظهر القرآن عن ظهر قلب فهو ناقص ، وكان الرجل إماماً في الحديث ، فقلنا له : مثلك يقرأ في مصحف ؟
فقال : ليس في أصحاب الحديث أحفظ مني للقرآن ، وذلك أني أصلي به الأشفاع في كل عام وأنا إمام قومي ، فلما كبر سني [ كذا في الأصل ] ضعف بصري فتركتُ القراءة في المصحف ، وكان ابن أخي يقودني إلى المسجد أصلي بالناس الفريضة ، فنمتُ ذات ليلة فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لي :
يا علي لِمَ تركتَ القراءة في المصحف ؟
فقلتُ : يا رسول لله ، ذهب بصري .
فقال لي : ارجعْ إلى القراءة في المصحف يردّ الله عليك بصرَك .
فقمتُ فتوضّأتُ وصليّتُ وكانت ليلةً طويلة من ليالي الشتاء ، فغلبتني عيني ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا علي ، اقرأ في المصحف يرد الله عليك بصرَك ، ففكّرتُ في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
” من رآني في النوم فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي ” ، فلما أصبحتُ غدوتُ إلى المسجد وابن أخي يقودني ولا أرى شيئاً فصليّتُ بقومي الفريضة ، ثم انصرفتُ إلى منزلي فقلتُ لهم : أعطوني المصحف ؟ فقال لي أهلي : وما تريد من المصحف ؟ قلت لهم : أنظر فيه ، فأخذتُ المصحف وفتحته وأخذتُ في القراءة ظاهراً وأنا أفتح المُصحف ورَقةً ورقة ، فما طلع النهار إلا وأنا أقرأ في المصحف ، وأرى حُرُوفَه أجمع ، ثم تماديتُ في القراءة إلى الظهر ، فلم يأتِ الظهر إلا وأنا أرى كما كنتُ أرى ، وأنا أُحدّثُ فهذا شأني ” .
انتهت الحكاية .
والعهدة فيها على صاحب الرؤيا علي بن محمد الترابي ولا أظنّه إلا صادقاً ، وفي القصة من الحِكَم ما لا يسع سرده في هذا المقال الموجز .
وأروع ما في القصة قول أبي القاسم الهمذاني ” في اليقظة ” :
” وعند أصحاب الحديث
أن من لا يستظهر القرآن عن ظهر قلب فهو ناقص “
هذا الذي استغربه الهمذاني الوهراني وأصحابه ..
مُحدّث يروي الحديث يقرأ في المصحف ..
سبحان الله ..
إلى تلك الدرجة الرفيعة والمقام العالي ارتقى السلف .
هذا ما كان عليه أصحاب الحديث في القرن الثالث والرابع .
وبهذا نفسر قول الإمام ابن حجر في التقريب عند ترجمة عثمان بن أبي شيبة ، قال : ثقة حافظ شهير – إلى قوله – وقيل كان لا يحفظ القرآن !!!
معلومة مدرجة في ملف المحدث الراوي : قيل كان لا يحفظ القرآن ؟
أين أنت من زماننا يا ابن حجر ؟
محدّث العصر في زماننا لا يستظهر القرآن عن ظهر قلب يا ابن حجر …
أصحاب الدكتوراه في علوم الحديث في زماننا أكثرهم لا يحفظ القرآن …
واللهِ لا أقصد الانتقاص من أحد فلكلٍّ حسنات لا نجحدها ولكنني أقول :
ما أبعد السلف عن الخلف
من أجل ذلك كانت لهم الكرامات ولنا الداعشيّات