جاء البشير إلى المدينة المنورة يبشّر بعودة النبي صلى الله عليه وسلم سالماً …
محمد حي لم يمت
أخذت الجارية المؤمنة السوداء دفّها وانطلقت به إلى رسول الله بعد أن طار عقلها من فرط الفرح ….
حبشية أو نوبية من قعر المجتمع في شبه الجزيرة العربية انطلقت بدّفها إلى مجلس القائد الأعلى للقوّات المسلّحة … إلى رئيس الدولة … إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم … إلى الزعيم المَهيب الذي جاء في وصفه أنّ أصحابه من الكبراء والوجهاء كانوا عنده صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهم الطير إجلالاً وتوقيراً …
حتى شهد عروة بن مسعود على ذلك وكان مشركاً على دين قومه فرجع إليهم خلال المفاوضات في صلح الحديبية فقال لهم يصف النبي صلى الله عليه وسلم وما له من إجلال وهيبة في نفوس أصحابه :
” أي قوم ! والله لقد وفدتُ على الملوك ، وفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إنْ رأيتُ مَلِكاً قط يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحابُ محمدٍ مُحمّداً ” .
رواه البخاري
فانظروا إلى جراءة الجارية السوداء من فرط الحب وكمال الإيمان …
دخلت على النبيّ محمد رسول الله فقالت :
يا رسول الله إني نذرتُ إن ردّك اللهُ سالماً أن أضرب على رأسك بالدفّ وأتغنّى !
فقال رسول الله : إن كنت نذرتِ فاضربي وإلا فلا .
قالت : إني كنتُ نذرت .
قال الراوي :
فقَعَدَ رسولُ الله !
فضربت بالدّف .
فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل عليٌّ وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر ، فألقت الدف تحت أُسْتِها ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر ” .
والحديث رواه أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة وصححه الترمذي وابن حبان من حديث بريدة وقال الألباني : إسناده صحيح على شرط مسلم .
وروي نحوه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه بلفظ :
” أن امرأةً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني نذرتُ أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال : أوفي بنذرك ، وقالت : إني نذرتُ أن أذبحَ بمكان كذا وكذا ، مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية .
قال : لصنم ؟
قالت : لا .
قال : لوَثن ؟
قالت : لا
قال : أوفي بنذرك ” .
انتهى الحديث وقال فيه الألباني : صحيح
ويستفاد منه استحباب التصدّق على الفقراء والمحتاجين وإطعامهم في المناسبات والأفراح الدينية لإشراكهم في الفرح والسرور ، ويُظنّ أن المرأة السوداء حديثة السنّ قد أنفقت ما ادّخرته لزمن طويل لتشرك الفقراء في تلك الفرحة ، وكانت قد نذرت بفعل الخيرات شكراً لله قبل مجيء البشير فذلك تأويل قول الله تعالى : ” وسيجزي الله الشاكرين ” .
والله أعلم
إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى …
واختلف الفقهاء بعد ذلك في الضرب بالدفّ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان أمراً مباحاً أم مستحبّاً ، ولا ضَيْرَ في ذلك …
المهم ضرب الدف حلال ..
والغناء حلال … ولو كان محرماً لما أذن النبي به
قال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج :
” إنه لما حصل السرور للمسلمين بقدومه صلى الله عليه وسلم وأغاظ الكفّار وأرغم المنافقين كان من القُرَب ” اهـ أي مما يُتقرّب فيه إلى الله .
ويُستفاد من الحديث كذلك أنّ إظهار الفرح والسرور بمثل هذا غير مقصور على النكاح والختان أو العيدين كما يزعم بعض المعاندين بل يجوز في المناسبات والأفراح الدينية من غير إفراط ولا تفريط .