بالعودة إلى حكاية ابن أبي ذئب ومالك بن أنس (*) يمكننا فكّ لغز “القوانين الوضعية”.
فقهاء السنة كالإمام مالك كانوا يرون أن الشريعة [أو القوانين الصادرة في العهد النبوي] ليست “كلّها”صالحة لكل زمان ومكان!!ولذلك تركوا العمل بتشريعات نبوية كحديث “البيعان بالخيار”و”من قتل قتيلاً فله سَلبُه” ونحوها، باعتبارها قوانين وضعية منتهية الصلاحية !
لكن الأولين عبّروا عن هذا المعنى “الخطير” بمصطلحات زمانهم كقول الحافظ ابن قيّم الجوزية في التعليق على حديث: “من قتل قتيلاً فله سلبُه”:
“اختلف الفقهاء؛
هل هذا السَّلَب مستحقّ بالشرع أو بالشرط ؟
– إلى قوله – :
“ومأخذ النزاع أن النبي ﷺ كان هو الإمام والحاكم والمفتي وهو الرسول ، فقد يقول الحكمَ بمنصب الرسالة فيكون شرعاً عاماً إلى يوم القيامة … وقد يقوله بمنصب الإمامة[وهي القوانين الوضعيّة] ، فيكون مصلحة للأمة في ذلك الوقت وذلك المكان، وعلى تلك الحال فيلزم من بعده من الأئمة مراعاة ذلك على حسب المصلحة التي راعاها النبي ﷺزمانا ومكانا وحالا ، ومن ها هنا تختلف الأئمة في كثير من المواضع التي فيها أثر عنه ﷺ كقوله ﷺ : “من قتل قتيلاً فله سلبه” هل قاله بمنصب الإمامة ؟ فيكون حكمه متعلقا بالأئمة، أو بمنصب الرسالة والنبوة ؟ فيكون شرعاً عاماً”.
[زاد المعاد ج 3 صفحة 489-490]
ـــــــــــــــــــــ
(*) قال أحمد بن حنبل: “بلغ ابن أبي ذئب أن مالكاً لم يأخذ بحديث “البيعان بالخيار” فقال: “يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه”، ثم قال أحمد: “هو أورَعُ وأقوَلُ بالحق من مالك” فردّ عليه الذهبي بقوله: “لو كان ورعاً كما ينبغي لما قال هذا الكلام القبيح في حقّ إمام عظيم” [كتاب سير أعلام النبلاء ج7 صفحة 142]