“قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ”
هذه آية مكية باتفاق ولذلك قد يظنّ بعضٌ أن الخطاب موجه للكافرين من قريش خاصة ذلك لأنهم قوم لا يعقلون ! يعني على نحو ما جاء في يهود بني قريظة والنضير:
“لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ”
لكن ورد في صحيح مسلم ما يدلّ على عموم الخطاب وذلك فيما حدث به سيدنا سعد بن وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مسجداً فركع فيه ركعتين ودعا ربَّه طويلاً ثم انصرف إلينا فقال صلى الله عليه وسلم:
“سألتُ ربي ثلاثاً، فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة، سألتُ ربي أن لا يُهلِك أمتي بالسِّنَة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسَهم بينهم فمنعنيها”.
من أجل هذا الحديث ونحوه نزل سيدنا سعد راوي الحديث في إبله وغنمه وترك التنازع على السلطة فأتى إليه ابنه عامر كما في صحيح مسلم فقال له: “أنزلت في إبلك وغنمك وتركتَ الناسَ يتناعون المُلكَ بينهم، فضربَ سعدٌ في صدره فقال: اسكت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن اللهَ يُحبُّ العبدَ التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ”.
أحببتُ تذكيركم بهذا الأثر للتنبيه على أنّ للنزاع المفضي إلى الاقتتال واستباحة الدماء أسباباً متنوعة، وقد ورد في النبوءة سبب من أسباب الفتنة العامة، وخطاب النبوءة ليس موجها إلى الكافرين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى بل موجهاً إلى المسلمين:
“يا معشر المهاجرين ! خمسٌ إذا ابتليتم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهنّ”
فذكر منها:
“وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بَأْسَهم بينهم”
[سلسلة الأحاديث الصحيحة / رقم 106]
نسأل اللهَ أن لا يجعلنا ممن بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومَهم دارَ البوار .