يا أهل الشام حذارِ من الخرافات الإسرائيلية المُرَكَّبَة

شبابنا هذه الأيام لم يسقطوا فقط في دوّامة الفوضى بل سقطوا في دوّامة من بحر الخرافات الإسرائيلية المركّبة على المأثورات الإسلامية..

الموضوع خطير جداً، لا مجال فيه للسكوت أو المداهنة أو التهرّب منه على طريقة النعام، وسأحرص على اختصاره وإيجازه بأسلوب سهل ميسّر على العالم المختص والطالب المبتدئ.

أبدأ بما رواه أحمد ومسلم وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

“لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمْحُه، حدثوا عنّي ومن كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج”.

 وهو حديث مشهور، يبدو في ظاهره معارضاً لأحاديث أخرى أذِنَ فيها محمدٌ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث النبوي، لكن العلماء وشرّاح الحديث جمعوا بينهما بأقوال لخّصها الحافظ ابن حجر بقوله:

” الجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والإذن في غير ذلك، أو النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد [أي في صحيفة واحدة] والإذن في تفريقهما، أو النهي متقدّم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها، وقيل النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك .. الخ”.

أقول: إذا تأمّلتَ تلك الأقوال كلّها وجدتَ فيها مقصداً واحداً متفقاً عليه وهو خشية الخلط بين النصوص سواء كان ذلك في أول العهد النبوي أم آخره.

ولئن كان النبي الصدوق محمد صلى الله عليه وسلم الذي رخّص بالحديث عنه والذي يقول فيه ربّه تبارك وتعالى: “ما ينطق عن الهوى” قد خشي أن يلتبس قوله بالقرآن الكريم فمن باب أولى أن يُخشى من الالتباس والخلط بالإسرائيليات ومأثورات أهل الكتاب وإنْ رخّص النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالسماع منهم والحديث عنهم.

ولذلك حرص الخلفاء الراشدون ومن معهم من الصحابة ومن تبعهم بإحسان – رضي الله عنهم – على تنقية المأثور الإسلامي المُحمّدي فجرّدوا القرآن الكريم وضبطوه وحفظوه في نسخة نقيّة خالصة على حدة، وحفظوا ما شاء الله من الحديث النبوي في صدورهم وفي صُحف نقيّة خالصة على حدة ليس فيها خلط أو لبس، ولأن الحضارة الإسلامية كانت منفتحة وقد رخّص النبي صلى الله عليه وسلم بالسماع من أهل الكتاب وأذن بالحديث عنهم بشروط فقد كانت قلّة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم تعجبهم مقارنة الغيبيّات الإسلامية بنظائرها من المأثورات  الإسرائيلية كنصوص مبدأ الخلق وأخبار الملائكة وقصص الأنبياء ونبوءات المستقبل كأشراط الساعة وأحاديث الفتن والملاحم التي  تكون في آخر الزمان، ونتج عن تلك المقارنة أنواع من العلوم المركّبة من المأثور الإسلامي المقطوع بصحته والمأثور الإسرائيلي المشكوك في صدقه كتفسير المجمل، وبيان المبهم، وتكملة المبتور من القصص والحكايات والنبوءات بزيادات إسرائيلية، وأحياناً ينتج عن ذلك خليط كمزيج الكوكتيل بصبغة إسرائيلية ونكهة إسلامية.

     من تتبّع المصنّفات وكتب التفسير بالمأثور من أقوال السلف وجدها طافحة بتفسيرات وزيادات إسرائيلية مما لا يُقال بالرأي المجرّد.


     سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه كتب – كما ذكرنا –  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيفة أخذها من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ليس بينه وبينه أحد، كان يُسمّيها “الصحيفة الصادقة”، فيها أحكام فقهية وفيها نبوءات غيبة محمّدية، كانت عنده على حدة ليس فيها خلط ولا لبس، ثم ظفر بالشام في وديان اليرموك على بعير ضال تائه يحمل أسفاراً من كتب أهل الكتاب فأخذها فكانت كذلك عنده على حدة لم يخلطها بالصحيفة الصادقة، فلما جاء كعب الأحبار الإسرائيلي من اليمن وكان من يهود حِمْيَر فأسلم وكان يحسن اللغتين العربية والعبرية، متخصّصا في علم النبوءات الإسرائيلية، مفرطاً في حبّ الشام، كان عبد الله بن عمرو يجالسه ويراجعه فيما عنده، كل منهما يعرض على الآخر ما لديه من نبوءات ومأثورات، وكذلك فعل أبو هريرة رضي الله عنه، وهي حقيقة تاريخية ثابتة لا مجال لإنكارها، أثرت فيها روايات كثيرة يكفينا منها هنا ما رواه الإمام أحمد بإسناد على شرط الصحيحين قال: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري قال أخبرني القاسم بن محمد قال: 

“اجتمع أبو هريرة وكعبٌ، فجعل أبو هريرة يحدّث كعباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكعبٌ يحدّث أبا هريرة عن الكتب ” اهـ

ثم حدث بعد ذلك شيء خطير جداً، فما هو ؟

نسخة للطبع نسخة للطبع