بقليل من الذكاء والتحرّر الفكري والمذهبي يمكن للعاقل أن يستنبط الكثير من الفوائد الرياضية والصحية والدينية والسياسية إذا تأمّل قصة المنافسة الرياضية بين محمد بن الحنفية والعلج الرومي البيزنطي المسيحي التي وقعت سنة 41 هـ بحضرة رؤساء الأمة الإسلامية، ويكفي في هذا المقام نشير إلى فائدتين:
– الكشف عن أوّل مشاركة إسلامية في المنافسات الرياضية الدولية.
– المنافسة لم تكن “مصارعة حُرّة” بل مقيدة بقوانين وضعية أملاها منافس مسيحي روماني فقبل المسلمون بها، وهي شبيهة بما يُعرف في العصر الحديث برياضة “المصارعة الرومانية” المدرجة في الألعاب الأولمبية، وقولهم “الرومانية” هو نسبة إلى الجهة التي ابتكرت اللعبة ووضعت قوانينها الوضعية القابلة للتغيير.
هنا أدعو القارئ للرجوع إلى ما ذكرته في بداية حديثي عن القوانين الوضعية فقد أشرتُ إلى إشكالية عدم فهم المصطلحات القديمة التي كانت جارية على لسان السلف الصالح إذ لم تكن كلمة “قانون وضعي” في لسان العرب فكانوا يعبرون عن المعنى بمصطلحات أخرى كقولهم: شرط أو تدبير أو خاص ونحو ذلك.
فمن شاء قال : “شروط اللعبة” أو “أحكام اللعبة” أو “تدابير اللعبة” أو “قوانين اللعبة” ونحوها، هذا لا يهمّ، المهم هو معرفة المعنى وتمييز الفوارق في المعاني وما وراء ذلك فقد قال الفقهاء :
“لا مشاحّة في الاصطلاح“
لذلك أوردت تلك القصة الممتعة لأنها مدخل يسير الفهم لمن أراد أن يفهم المراد من قولي إن النبي صلى الله عليه وسلم أصدر قوانين وضعية كقوله “مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبُه“، وعمل ببعض القوانين الوضعية المستوردة من الفرس والروم كاتخاذه الخاتم الفضي لختم الكتب المرسلة إلى الملوك حين قيل له : “إنهم لا يقرؤون إلا كتاباً مختوماً“.