هل تعلم أنّ الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه قد صالح نصارى السودان سنة 31 هـ بمعاهدة صداقة وحُسن جوار دون اشتراط جزية الصغار؟
وهل تعلم أنّ بلاد السودان كانت حين فُتِحَتْ مصر بالفتح الإسلامي الأول سنة 18هـ دولة مستقلة، منفصلة سياسياً وإداريّاً عن مصر، وكانت حدود مصر تنتهي عند أسوان وما وراءها مبدأ “بلاد الأساود” وهي بلاد النوبة والبجة وعلوة والتنكة [الدنكة]، وكانت ممالك مستقلة عن مصر أعظمها مملكة النوبة وتمتد من حدود أسوان شمالاً إلى مسيرة ثمانين ليلة على النيل جنوباً، وعاصمتها “دُمقله” وهي “دُنقله” في بلاد السودان حالياً، فيها يقيم ملك ملوكهم “كابيل” وكان على دين النصرانية، على مذهب اليعاقبة مذهب القبط النصارى، لكن لم تشمل بلاده مواثيق الصلح المصرية الأولى لانفصالهم سياسياً وإدارياً عن ملوك مصر ورؤساء القبط ؟
وهل تعلم أنّ “بلاد النوبة” وهي “بلاد الأساود” كما تسمّيها العرب الأُوَل هي الدولة الوحيدة التي استعصت على الفتح الإسلامي الأوّل، فقد غزاهم أميرُ مصر عبدُ الله بنُ سعد بن أبي السرح سنة 31 هـ فاقتتلوا قتالاً شديداً فلما عجز المسلمون عن فتح بلادهم عُنوة هادنهم عبد الله بن سعد إذ لم يطقهم حتى قال الشاعر يصف ورطة الاشتباك بالأساود:
لم ترَ عيني مثلَ يوم الدُمْقُلهْ
والخيل تعدوا بالدروع مثقله
أي فراراً من بأس الأشاوس على منوال قصيدة الشاعر حماس بن قيس في تبرير الفرار يومَ الخندمة، في قصة فتح مكة المكرمة، وما حدث لأجناد مصر يوم الدمقله كان العكس، والعجيب أن الفتح الإسلامي في تلك السنة [31هـ] كان قد فرغ من “كابل” شرقاً وشرع في غزو الأندلس غرباً ! لا يصدّه صاد، فيا للعجب، والأساود تعرض عن التفاخر بتلك المنقبة التاريخية تواضعاً لله وتأدّباً بعد أن دخلوهم في دين الإسلام.
سؤال للعقلاء فقط :
أين السلف الصالح من آية الجزية ؟
لماذا أقرّت الخلافة الراشدة بالتوقيع على هدنة مفتوحة لأجل غير مسمى تتضمّن معاهدة على حسن الجوار والاعتراف بسيادة الملك النصراني على أرض السودان، مرفوقاً ببروتوكول لتنظيم التجارة وزيارة الأفراد؟