سيّد قطب – كما تقدّم – لم يحرف ناظور “البنا”، ولم يعترض على أفكاره الداعشية بل زاد فيها لأنه أرجع سبب تعثّر الحركة الإسلامية إلى البُعد عن المنهج النبوي في مرحلتي؛ الدعوة والتكوين لأن الجيل الذي لا يُغلب منه اثنا عشر ألفاً من قِلّة وهو الجيل القرآني الفريد الذي فُتحت به الفتوحات الإسلامية الأولى؛ كان الرجل فيهم – كما يقول سيد قطب في المعالم – :
“حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية”
وهذا السطر هو خلاصة ما جاء به سيد قطب في كتبه ومؤلفاته وهو خلاصة ما جاء في خلاصة الخلاصة “المعالم في الطريق” وفيه يقول:
“نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام وأظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصوّرات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية”
– إلى قوله – :
“فلا بد في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرّد في فترة الحضانة والتكوين من كلّ مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها”.
[كتاب معالم في الطريق لسيد قطب ، تحت فصل “جيل قرآني فريد”]
تيك الزبدة الخالصة ! وتلك حقيقة الحركة التصحيحية التي قام بها المنظّر الصاعد “سيّد قطب”، كانت مجرّد عملية مجهرية دقيقة لتصحيح بعض الخلل في المعايير والمقاييس، ومصطلح “فترة الحضانة” الذي أورده سيّد قطب هنا يعني به “مرحلة الدعوة والتعريف” التي وضعها البنا كمرحلة أولى.
سيّد قطب كان يطالب بتنقية العقيدة وتجريدها وذلك بخلع ثياب الجاهلية على عتبة الحركة من الخطوة الأولى أي قبل القفز إليها وقبل الارتقاء إلى مرحلة التكوين.
فهاكم فحوى “المعالم” أوجزتها لكم في مقال واحد، وبها ينكشف سرّ التزاوج مع السلفية الذي ولّد “السلفية الجهادية” لأنّ السلفية في ذلك العصر كانت تنشط في تصحيح العقائد الإسلامية، ولذلك يُروى أنّ آخر كتاب عكف سيّد قطب على دراسته قبل إعدامه كان تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.