قوالب حسن البنا

مع أفول شمس الإمبراطورية العثمانية على رأس القرن العشرين ظهرت على الساحة العربية الإسلامية مشاريع إصلاحية متباينة، منها مشروع الدولة القومية للفكاك من الأتراك، قوبل بمشروع الجامعة الإسلامية وكانت حيلة من المخابرات العثمانية للحفاظ على اللحمة الرابطة، ثم جاءت فوضى الثورة العربية 1916 بمشاريع بديلة كمشروع إعادة تركيب الخلافة بقيادة عربية ففشل، ومشروع الخلافة العربية أو الدولة العربية الكبرى ففشل، ولم يبق في الإمكان إلا مشاريع الدولة القومية القطرية لكن تسونامي الاستعمار الأوربي دهَمَ العرب ولمّا يقضوا من الأمر شيئاً.

لا حاجة هنا للتذكير بأسماء الزعامات السياسية والفكرية والدينية الفاعلة في تلك الحقبة التاريخية فهي معروفة مشهورة مع خلافٍ تقدير نسبة الفاعلية والتأثير، ويُخطئ من يظنّ أنّ الواحد منهم كان المنفرد الأوحد في ابتكار الأفكار والمشاريع المطروحة في ذلك الزمان المضطرب، فتلك الأفكار كانت نتاج سلسلة طويلة من السجالات والمناقشات والمناورات الفكرية والسياسية في مصر والعراق والشام وتركيا والحجاز وغيرها، شارك فيها عددٌ لا حصر له من الزعماء والعلماء، والأمر عموماً خرج من يد العرب لأسباب عديدة ليس هذا مجال سردها.

لكن ما لا يختلف عليه المؤرخون والنقّاد أنّ هنالك زعيماً دينيّاً نجح في القفز فريداً إلى قمرة القيادة فأمسك بدفة الحركة الإسلامية السُنيّة السياسية في مصر فامتدّ تأثيره إلى العالم العربي.

ذاك الشخص بلا خلاف هو “حسن البنا “، ولا يعود إليه الفضل في ابتداع الأفكار الحركية كما تقدّم، لكن يعود إليه الفضل في أمرين لا يماري فيهما مؤرخٌ:

–      تحريك سفينة “الإسلام السياسي” بعد أن كانت راسية عالقة.

–      والانفراد في توجيه دفة الحراك الإسلامي السياسي العام(1).

كل الحركات الإسلامية السياسية في العالم العربي خاصة منذ نشأة الإخوان نهضت وتجمّعت وتحركّت في قالبٍ من قوالب حسن البنا(2)، بدءاً بالفصائل المنشقة عن الإخوان وانتهاءاً بحركة داعش المتهمة بتكفير الإخوان المسلمين !

صدّق أو لا تصدّق

إنّ حركة داعش التي خلصت إلى إعلان الخلافة البغدادية هي مجرّد نتاج من قوالب البَنّا ليسَ غَيْرُ.

للحديث بقيّة والبَيِّنَة على المُدّعي

ـــــــــــــــــــــ

 (1) الكلام هنا عن الإسلام السنّي أما سفينة الشيعة فانطلقت بالخميني قولاً واحداً.

(2)  القالِب أو القالَب بكسر اللام وفتحها هو “الشيء الذي تُفرَغُ فيه الجواهر ليكون مثالاً لما يُصاغُ منها”، [لسان العرب لابن منظور].

نسخة للطبع نسخة للطبع