دوّن مؤرخ المصريين ابنُ عبد الحكم المتوفى سنة 257 هـ في كتابه “فتوح مصر” فصلاً عجيباً بعنوان:
“ذِكْرُ نَهْيِ الجند عن الزرع”
ثم روى بإسناد صحيح عن التابعي المصري الجليل عبدالله بن هبيرة أنّ عمر بن الخطاب أمر مناديه أن يخرج إلى أمراء الأجناد يتقدمون إلى الرعية:
“أن عطاءهم قائمٌ، وأن رزق عيالهم سائلٌ، فلا يزرعون ولا يزارعون”
ثم روى بإسناده أنّ شريك بن سمي الغطيفي [جندي من أجناد مصر] أتى إلى عمرو بن العاص [والي مصر] فقال:
“إنكم لا تعطونا ما يحسبنا أفتأذن لي بالزرع”؟
فقال له عمرو: “ما أقدر على ذلك”
قال الراوي: فزرع شريكٌ من غير إذن عمرو فلما بلغ ذلك عَمْراً كتب إلى عمر بن الخطاب يخبره أن شريك بن سمي الغطيفي حَرَثَ بأرض مصر، فكتب إليه عمر أن ابعث إليّ به، فلما انتهى كتاب عمر إلى عمرو أقرأه شريكاً، فقال شريك لعمرو: قتلتني يا عمرو !
فقال عمرو: ما أنا قتلتك أنت صنعت هذا بنفسك.
قال له: إذ كان هذا من رأيك فأذنْ لي بالخروج إليه من غِير كتاب، ولك عَهدُ الله أن أجعل يدي في يده.
فأذِنَ له عَمْرُو بن العاص بالخروج [أي السفر دون خفارة من مصر إلى المدينة المنورة وتسليم نفسه طواعية]، فلما وقف على عمر قال: تؤمنني يا أمير المؤمنين؟
قال: ومن أي الأجناد أنت؟
قال: من جند مصر.
قال: فلعلك شريك بن سمي الغطيفي؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: لأجعلنك نكالاً لمن خلفك.
قال: أَوَ تَقْبَلْ مني ما قبِلَ اللهُ من العباد؟
قال: وَتَفعَلْ.
قال: نعم !
فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص إن شريك بن سمي جاءني تائباً فقبلتُ منه”.