سنة 1977 قُتل وزير الأوقاف المصري الشيخ محمد حسين الذهبي – رحمه الله – واتهمت جماعةُ التكفير والهجرة باغتياله ففرّ كثيرٌ من أعضاء الجماعة إلى السعودية تحت غطاء العمرة والحج واختبأوا بمكة والمدينة بين ضيوف الرحمن.
جماعة التكفير والهجرة – كما هو معلوم – خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، وفصيل “شكري مصطفى” وأتباعه – على وجه التحديد – كانوا العصارة الخالصة لمعصرة السجون فليُنظر إلى من تُلقى التهمة ! لكنْ الحقّ – والحقّ يُقال – أنّ الخليفة الموعود “شكري مصطفى” قفز قفزةً جنونية بعيداً جدّاً عن الإخوان وسيّد قطب فأتى بأشياء لا أصل لها البتة عندهم، فلا يُلحق بهم ولا يُنسب إليهم، لأنه باختصار مجنون خالص، كان ينبغي أنُ يودع مشفى المجانين ليُعالج بالصدمات الكهربائية، ويُدعى له بالشفاء، وما كان ينبغي أن يُحاكم أصلاً إذ لا تجري عليه أحكام العقلاء !
تسلّم شعلة الغباوة
أما جهيمان وأتباعه فخرجوا من عباءة الإخوان الوهابية، مدرسة سلفية مستقلة تماماً وهي امتداد لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، تلك هي الحقيقة بعيداً عن التشكيك والتزوير.
جهيمان العتيبي كان محافظاً سلفياً شديد التديّن أسس حركة مناهضة للنظام الملكي السعودي ذات طابع ديني سياسي، وبالطبع نالت تلك الحركة نصيباً من الضغط فأنتجت عصارة من الغلو والتطرّف، لكن الحق – والحقُّ يُقال – أن جهيمان لم يبعد كثيراً عن المنهج السلفي المعقول حتى اختلطت حركته بجماعة التكفير والهجرة فانتقل إليها فيروس التعلّق بنبوءات آخر الزمان.
دع عنك الغلو في التكفير والجهاد لأنّ العلة الكبرى كانت في فيروس آخر الزمان، الذي انشغلوا به جميعاً فدارت في حلقاتهم المساجلات والمناظرات والمنازعات حتى أعدم “شكري مصطفى” سنة 1978 فاختلطت الأوراق والإسقاطات على أتباعه، وجرّد جهيمان جدولاً خاصّاً ليشدّ من عزيمة أصحابه، فكتبَ كتيّباً بعنوان:
“الفتن وأخبار المهدي والدجال ونزول عيسى عليه السلام وأشراط الساعة”
أنقل إليكم هنا بعض ما جاء في المقدّمة نقلاً عن النسخة الأصليّة، وفيها يقول:
“وبذلتُ وسعي في جمع أحاديث مما صحّ من أحاديث الفتن وأشراط الساعة لعظم الحاجة إليها اليوم وقمتُ بترتيبها حسب الأزمنة وأمكنة وقوعها، مع الحرص على التوفيق بين النصوص والجمع بينها وإخراجها في صورة متكاملة لتتم بذلك الفائدة”… إلخ
فلما انتشر جدول الترتيبات الجهيمانية حسب الأزمنة والأمكنة تراءى المصابون بأمراض الهلوسة والفصام مناماتِ المهدي المنتظر وكان لجهيمان صاحب يُدعى محمد بن عبدالله أقربهم شبهاً بتلك النبوءات، ووقع جهيمان في فخّ المهلوسين فكانت كارثة الحرم المكي في مثل هذا اليوم 20 نوفمبر 1979م.
حركة جهيمان لم تكن – بالقطع – حركة دينية صرفة بل كانت حركة دينية سياسية، يُدرك ذلك كل من اطلع على رسالة بعنوان “الإمارة والبيعة والطاعة وكشف تلبيس الحكام على طلبة العلم والعوام” وهي من تأليف جهيمان العتيبي ضمن مجموعة من المؤلفات بعنوان: “رسائل الإمارة والتوحيد ودعوة الإخوان والميزان لحياة الإنسان”، وما فيها من أفكار ونظريات وعقائد مطابق لأفكار داعش 100% حذو القذّة بالقذّة…
والعجيب الغريب أنّ جهيمان كانت لديه فُسحة من الخيارات بناءً على الأفكار والنبوءات التي رتبّها باجتهاده الخاص، كان بإمكانه إطالة أمد الحركة وخلق الكثير من الفوضى والمشاكل للنظام السعودي لكنّ الله أبى إلا أن يخزي المفسدين الزائفين فاختار جهيمان أغبى الخيارات حين علّق مصير حركته السياسية بحلقة متأخرة من مسلسل أحداث آخر الزمان، ليقضِيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، فعجّل الله فضيحَتهم !
قامت قيامتهم ولم تقم الساعة …
وكان أمر الله قدراً مقدوراً