طوفان النيل
كان سبب نشأة أول نظام دولة في التاريخ الإنساني !
صدّق أو لا تصدّق
الكارثة الطبيعية الموسميّة كانت السبب في نهضة الحضارة المصرية من بين الأمم في العصور الغابرة
أتدري لماذا ؟
لأنّ نيل مصر شقّ طريقه في أرض صحراء قرعاء، فكان النيل – قبل بناء السدّ العالي – يفيض على ناس دون سابق إنذار، لا يسمعون رعداً، ولا يرون برقاً ومطراً لأنه يأتي من مكان بعيد
غاية ما عرفه قدماء المصريين بالتجربة أنّ للنيل غضبة موسمية لوّاحة للبشر، لا تُبقي ولا تذر
وغاية ما عرفوه بالتجربة أنّ الأفراد والتجمّعات الصغيرة المنفردة لا تقدر على مواجهة كارثة الطوفان
فكان لابد من العمل الجماعي الكبير لمواجهة الكارثة الموسمية قبل وقوعها وبعد وقوعها …
كحفر الخلجان والترع وشقّ المصارف والمجاري، وبناء القناطر والسدود، وتخطيط العمران، وقياس درجة ارتفاع النيل، وإعداد نُظُم الإنذار المبكّر لتحذير الناس [كانوا يشعلون النيران على المنارات ورؤوس الجبال] وغير ذلك من الإجراءات التي يطول تفصيلها والتي يستحيل اتخاذها دون مشاركة عدد كبير من المجتمع في مصر السفلى والعليا، ويستحيل ذلك دون انخراطهم في “نظام دولة” وسلطة تشرف على تلك الإجراءات السنوية قبل جريان النيل وبعده، ولولا ذلك لبادت الأمة المصرية من الطوفان الأول كما بادت مملكة سبأ، وقد كادت أن تبيد في عهد فرعون موسى حين انشغل مع جنوده ووزرائه في ظلم الناس وكنز الأموال وبناء الصروح والقصور فباغتهم الطوفان بالموتان والطاعون والأمراض التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا …
قال الله تبارك وتعالى:
“فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135)”
[سورة الأعراف]
لذلك كذلك كانت مصر – ولم تزل – غير قابلة للقسمة
وعلى جميع القوى السياسية المصرية الإسلامية وغير الإسلامية
أن تفهم هذا الدرس جيّداً كما فهمه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعامله عمرو بن العاص، فحرصا على التأليف بين الشعب المصري وإرضاء جميع الطوائف بقسمة وتسوية مرضيّة مقبولة، كانت بالنسبة للمصريين بجميع طوائفها في ذلك الزمان خيراً من القسمة الفرعونية والرومانية