الخليفة عمر بن الخطاب استشار المواطنين من غير المسلمين في إدارة الدولة

قال ابن عبد الحكم في فتوح مصر :

حدثنا هشام بن إسحاق العامري (1) قال:

 “كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يسأل المقوقس عن مصر: 

من أين تأتي عمارتها وخرابها ؟

فسأله عمرو فقال له المقوقس:

 “تأتي عمارتها وخرابها من وجوه خمسة؛ أن يُستخرج خَراجُها في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويُرفع خَراجُها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عَصْرِ كُرومهم، وتُحفر في كل سنة خُلُجُها (2) وتُسَدُّ ترعها وجسورها، ولا يقبل محل أهلها – يريد البغي – فإذا فُعِلَ هذا فيها عمرت، وإن عُمِل فيها بخلافها خَرِبَت”.


 قال: وفي كتاب ابن بكير الذي أعطاني عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما استبطأ عمر بن الخطاب عمرو بن العاص في الخراج كتب إليه: أنْ ابعثْ إليّ رجلاً من أهل مصر فبعث إليه رجلا قديما من القبط فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام فقال يا أمير المؤمنين كان لا يؤخذ منها شيء إلا بعد عمارتها، وعامِلُك [ يعني عمرَو بنَ العاص] لا ينظر إلى العِمارة وإنما يأخذ ما ظهر له كأنه لا يريدها إلا لعام واحد، فعرف عمر ما قال، وقَبِلَ مِنْ عمرو ما كان يعتذر به”(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – قال ابن يونس المصري في ترجمته: هشام بن إسحاق العامري، مولاهم، المصري، يكنى أبا ربيعة كان عالماً بأخبار مصر، روى عن الليث ومالك، مات في ربيع الآخر سنة 235 هـ.

2 – سيأتي مزيد من الحديث عن مسؤولية الدولة في مواجهة الفيضانات والكوارث الطبيعية.

3 – ويشهد له ما رواه ابن عبد الحكم بإسناد جيد عن يحيى بن عبد الله بن بكير عن عبد الله بن أبي جعفر عن مرزوق التجيبي عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، وقد تقدّم نص رواية أبي قيس، وبها يتجلّى حُسن الاعتبار بمقاصد الشريعة الإسلامية كما تقدّم بيانه، وقليلٌ من ينتبه إلى هذه الحادثة التاريخية، أما جواز مشورة غير المسلمين فيشهد له كذلك ما رواه ابن عبد الحكم عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه في قصة القبطي المصري الذي دلّ على الخليج واشترط وضع الجزية عنه وعن أهل بيته وقد تقدّم ذكرها.

نسخة للطبع نسخة للطبع