رأسمالية عمر بن الخطاب

“كتاب الصدقات” أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحُفظ مقروناً بقراب سيف النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الخلفاء الراشدون وعمّال الصدقة ينسخون قوانين الصدقات من ذلك الأصل المكتوب المحفوظ، ومما جاء فيه:

“ليس فيما دون خمس من إبل صدقة، وليس في الأربع شيء فإذا بلغت خمساً ففيها شاة إلى أن تبلغ تسعاً فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان … – إلى قوله –: حتى تبلغ عشرين ومائة ثم في كل خمسين حُقّة، وفي كل أربعين بنتُ لَبون”.

وفيه كذلك:

“ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق [أي دراهم الفضة] صدقة”…. الخ

ويُستفاد منه أنّ ضريبة الزكاة لا تؤخذ – أصلاً – إلا من أهل السعة، بمقدار معلوم ونصاب محدود إذا حال عليه الحول بإجماع الفقهاء، أما المداقيع الفقراء والمساكين الذي لا يجدون من المال ما يبلغ النصاب ويحول عليه الحول فلا زكاة عليهم، بل تؤخذ من الأغنياء فتُرَدُّ عليهم.

والسؤال الذي ينبغي على المفكّرين أن يتدبّروه ويتدبّروا جوابَه هو:

لماذا أخّر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جباية الزكاة من المياسير أهلِ السعة عام الرمادة إذ كانت خزائن بيت المال أحوج ما تكون إليها؟ فلما أحيا الناس ونزل المطر في العام الذي بعده بعث عامله على الصدقة فقال له: “اعقل عليهم عقالين، فاقسم فيهم عقالاً وائتني بالآخر” والعقالُ صدقة العام الواحد ؟

الجواب:

فعله للحفاظ على عجلة التنمية الاقتصادية، فعله للحفاظ على الثروة الحيوانية وتكثير نسل الأنعام، وفعله لتوفير السيولة النقدية بأيدي المياسير ليساهموا في الخروج من الركود الاقتصادي، ولو جمع بقيّة الأنعام والزرع والدراهم والدنانير من بقيّة المياسير الذين نقصت مدّخراتهم وأرباحهم خلال سِنِيِّ الرمادة لأفلست أسواق العرب.

ذلك الإجراء العبقري القديم هو من المنظور الاقتصادي الحديث يميل إلى النظام الرأسمالي.

أليس كذلك ؟؟

فالمحصّلة أنّ البرامج الاقتصادية والفلاحية والتجارية والصناعية ونحوها من الشؤون الدنيوية هي في الغالب الأعمّ إجراءات دنيوية صرفة لا علاقة لها بالدين إلا بمقدار ما يتعلّق منها بالدين وهو قليل جدّاً. 

فاحذروا من شعارات “الاقتصاد الإسلامي” !! 

نسخة للطبع نسخة للطبع