“مصر أم الدنيا” في الخير والشر

 قال بعض الحكماء:

“إنّ اجتزاء التراث التاريخي من الواقع المعاصر له في زمانه هو كاجتزاء الكلمة أو الجملة من سياق النصّ الكامل”.

قاعدة جليلة لفهم التراث التاريخي، اعتمد عليها ابن خلدون في التحليل والتفسير واستخلاص الدروس والعبر من التاريخ وذلك بردّ الواقعة إلى الواقع، وردّ النصّ إلى الظروف التي أحاطت بنشأته، وهذا الذي قصده التابعي الجليل عَبيدة السلماني تلميذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين سأله محمد بن سيرين عن آية من القرآن فأجابه بقوله:

“ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتّقِ اللهَ وعليك بالسداد”

[رواه ابن جرير الطبري بإسناد صحيح]

ومن أمثلة النصوص التي أشكل على الناس فهمها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“الناس تبعٌ في هذا الشأن لقريش، مسلمهم تبعٌ لمسلمهم، وكافرهم تبعٌ لكافرهم”

 رواه البخاري ومسلم، وفي حديث آخر:

“لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان” 

وفي لفظ البخاري:

“ما بقي منهم اثنان”

فلا إشكال البتة في هذه الأحاديث لمن أحاط بالواقع في العهد النبوي، لأنّ الناس – والمقصود بهم العرب – كانوا في شأن الإمامة الدينية في ذلك الزمان القديم تبعاً لقريش، ولذلك قال الله تبارك وتعالى “إذا جاء نصر الله والفتح” أي فتح مكّة أمّ القرى “ورأيت الناسَ يدخلون في دين الله أفواجاً” الناس – أي العرب – وقد دخلوا في دين الله أفواجاً بعد فتح مكة كما تنبّأ القرآن فسمّي العام التاسع بعام الوفود لكثرة الوفود التي وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتعلن إسلامها.

فقوله :

“الناس تبع في هذا الشأن لقريش”

صوابٌ وحقيقٌ وواقعي لكنْ في سياقه وزمانه، واحتجاج الصحابة بعضهم على بعض بهذا الحديث النبوي في زمانهم هو كذلك صواب وحقيقٌ وواقعي لكن في سياقه وفي زمانه، وهذا ما غاب على كثير من شُرّاح الحديث.

ومن هذا المنطلق سنفكّ معضلة “العُقدة المصرية” أو بعبارة أخرى “عُقدة الظواهري” لنكشف سرّ حرصه على الزعامة المصرية !

فللحديث بقيّة.

نسخة للطبع نسخة للطبع