فلا تُزكّوا أنفسَكم هو أعلم بمنِ اتقى

تزكية النفس بالألقاب الدينية بدعة مُحدثة لم تكن معهودة في الأجيال الأولى من الإسلام، وإنما نشأت عند المسلمين الأعاجم في بلاد فارس بعد القرون الأولى ومنها انتشرت إلى سائر بلاد المسلمين، وكان حُبّ الألقاب السامية موروثاً قديماً جداً عند الفرس عُرف عندهم منذ أيّام أردشير شاهنشاه قبل الإسلام بزمن طويل، ثم انقطع في القرون الأولى من الإسلام بقول الله سبحانه وتعالى:

 فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ “

فكانت العامة على ذلك إلا من شذّ وفذّ، حتى ظهر المجدد الإسلامي الفقيه العبقري أبو علي الطوسي في القرن الإسلامي الرابع، وَلِيَ الوزارة فقام بإصلاح شامل لبنية النظام الإداري السياسي في الدولة الإسلامية فلقّبه الناس هنالك بخواجة بزك أي “نِظامُ المُلْكِ” ثم ولي وزارة الشؤون الدينية فأصلح نظام التعليم الديني وأسّس ما عُرفَ بالمدارس النظامية، ومنها المدرسة النظامية ببغداد، وكانت – وأيمُ الله – “يتيمة الدهر” لا يُعرف لها في التاريخ الإسلامي نظير، منها تخرّجت الأجيال التي فَتَحَت بيت المقدس، فلمّا رأى الناسُ ثمراتِ الإصلاح الديني لقّبوا الطوسي بـ” قِوام الدين”.

قال اليافعي [ت 768 هـ] في “مرآة الجنان وعبرة اليقظان” :

“الطوسي كان من أجلة الوزراء [توفي سنة 485 هـ] .. وهذا أول ما بلغناه من التلقيب بفلان الدين ثم استمر ذلك إلى يومنا، وإنما كانوا يلقّبون بفلان الدولة والملك مَنْ يعظم شأنه عندهم، ثمّ عمّوا التلقيب بالدين فيما بعد حتى في السوقية والفجرة ، لقّبوهم بنور الدين وشمس الدين وزين الدين وكمال الدين وأشباه ذلك ممن هم ظلام الدين وشين الدين ونقص الدين وأشباه ذلك من أضداد الدين” اهـ

أما الزمخشري [توفي 538 هـ] الذي شهد عصر الانتشار فقال في “ربيع الأبرار” :

“وأما ما استحدث من تلقيب السفلة بالألقاب العلية، حتى زال التفاضل، وذهب التفاوت، وانقلب الضعة والشرف، والفضل والنقص، شرعاً واحداً فمنكر، وهَبْ أنّ العذر مبسوط في ذلك فما العذر في تلقيب من ليس في الدين بقبيل ولا دبير، ولا له فيه ناقة ولا جمل، بل هو محتو على ما يضاد الدين وينافيه، بجمال الدين وشرف الإسلام؟ وهي لعمر الله الغُصّة التي لا تُساغ، والغبن الذي يتنائَر الصبر دونه، نسأل الله إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وأن يصلح فاسدنا، ويوقظ غافلنا.


وكم من أســـــام تزدهيك بِحُسنها

             وصاحبها فوق السماء اسمُهُ سمج”

[ ربيع الأبرار للزمخشري 1/205]

نسخة للطبع نسخة للطبع