“حلب” حفرة من نار


بسم الله الرحمن الرحيم

“ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناسِ مِنْ كُلِّ مَثَل، فأبى أكثرُ الناس إلا كُفُوراً”

صدق الله العظيم

فما مَثَل “حلب” في القرآن الكريم ؟

قالوا: مَثَلُ “حلب” يومَ الحصار كمَثَل المدينة المنورة يومَ الأحزاب حيثُ وصف الله – جلّ وعلا – في القرآن الكريم صورةَ الهَوْل الذي روع المدينة، ومشهد الكرب الذي أحاط بها، والذي لم ينج منه أحدٌ من أهلها حين أطبق عليها المشركون من كل جانب بقوله – سبحانه وتعالى – :

“إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفَلَ منكم، وإذ زاغتِ الأبصارُ وبلغَتِ القلوبُ الحناجرَ، وتظنّون باللهِ الظنونَ، هنالِكَ ابتُلي المؤمنون وزُلزِلوا زلزالاً شديداً”

فقلتُ: يوم الأحزاب يصلح مَثَلاً ووَجْهُ الشبه الجزئي لا يخفى،  لكنّ المشركين لم يقذفوا المُحاصرين بنيران المناجيق [سلاح ناري كان معروفاً في ذلك الزمان] رموهم بالسهام والرماح وقذفوهم بالحجارة ليس غيرُ، أما المحاصرون في حلب فقذفوا بنيران الصواريخ والمدافع والبراميل المتفجّرة “الغبيّة” والقنابل الفسفورية الحارقة ليلاً ونهاراً فاحترق الصبيُّ الصغير والشيخ الكبير، والجارية والعجوز والمقاتل والمعوق، في مشهد حارقٍ مَهول، لا يزيغ الأبصار ولا يحرّك القلوب بل يعمي الأبصار ويقطّع القلوب، هذا واللهِ أعظم مما أصاب أهل المدينة يومَ الأحزاب، إنّ مَثَل الطوق الذي حُشر فيه الناس في حلب كمَثَل حُفرة النار التي تكلّم عنها القرآن الكريم إذ قال الله سبحانه وتعالى:

“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”   

للأسف الشديد؛ أصحاب الجرّافات الحديثة كشطوا التاريخ، والتوسّع العمراني غير الرشيد  طمس كثيراً من المعالم القرآنية في المدينة المنورة وجزيرة العرب، وكنتُ قد ذكرتُ في مقال سابق فيمن نزلت هذه الآية الكريمة وشيئاً من أخبار حفرة “بُعاث” وما جرى فيها وحواليها.

نسخة للطبع نسخة للطبع