نبوءة دابق والأعماق خرافة إسرائيلية مركبة على أحلام إسلامية


    ثبت بما لا مجال للشك فيه أنّ سهيل بن أبي صالح راوي نبوءة دابق والأعماق كان قد أصيب في حفظه وعقله، وأنه قد كان في أول أمره صالحاً ثم ساء حفظه لمرض أصابه ولذلك قال فيه الإمام الناقد يحي بن معين:

 ” ضعيف” 

وقال في موضع آخر:

 “لم يزل أهل الحديث يتّقون حديثه”

وهذه الشهادة تفيد بأنّ ضعفه كان معروفاً مفضوحاً عند أصحابه من أهل الحديث، كما يفيد بأن الضعف قد جاوز مرحلة النسيان إلى درجة الخلط في الرواية، من أجل ذلك اتقوا حديثه، وقد جزم الإمام الرافعي الكبير بأنه قد اختلط حفظه لشجّة أصابته، وذهب إلى ذلك الحافظ الناقد أبو الحسن بن القطان فزعم أنه قد اختلط وتغيّر، وذكره بذلك من صنّف في المختلطين من الرواة كالحافظ برهان الدين في “الاغتباط” وابن الكيّال في الكواكب النيّرات وغيرهما.

ومما تقدّم تعلم أن نبوءة ملحمة دابق والأعماق ما هي إلا خرافة إسرائيلية مركبة على أحلام وأفهام إسلامية لأن نعيم بن حمّاد روى تلك النبوءة في كتاب الفتن والملاحم بإسناده إلى الإسرائيلي كعب الأحبار، ورواها بإسناده من وجه آخر عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص فلم يسندها إلى صحيفته الصادقة.

وقد كانت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه صُحف متنوعة منها ما كتبه بيده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسمّيها “الصحيفة الصادقة” وهي الأحاديث التي يرفعها صراحة فيحيلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلك صحيفة لا نشكّ في صدقها وصدق ما فيها من النبوءات المحمدية إذا صحّ الإسناد إلى ابن عمرو، ومنها صحف غير “الصادقة” أخذها عن أهل الكتاب فكان يحدّث بها الناس ولا يُحيلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهي من الأمور الخطيرة التي نبّه إليها الحافظ ابن كثير في مقدّمة تفسيره عند الكلام على وجوب الاحتراز من الإسرائيليات قال ابن كثير:

“كان عبد الله بن عمرو يوم اليرموك قد أصاب زاملتين من كُتب أهل الكتاب فكان يُحدّث منهما بما فهمه”

وذكر نحو هذا الحافظ ابن حجر في شرح البخاري فقال: 

“إن عبد الله بن عمرو كان ظفر في الشام بحِمْل جَمَلٍ من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويُحدّث منها فتجنّب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين

[فتح الباري شرح صحيح البخاري/ باب كتابة العلم]

لهذا وأمثاله أسقط الإمام البخاري رحمه الله نسخة سهيل جُملةً من كتابه الصحيح، وهي من الوجوه التي فُضّل بها صحيح البخاري على صحيح مسلم، والإمام مسلم رحمه الله إنما تساهل في تخريج نسخة سهيل باعتبار أن أكثرها مما توبع عليه، لكن ليس هذا الحديث منها إذ لم يتابع سهيلاً عليه أحدٌ من الثقات في روايته عن أبي صالح!  

وإن كنتُ أظنّ أن هذا الحديث من الأحاديث التي أسقطها مسلمٌ من النسخة المنقحة لأنه غير موجود في رواية الحافظ  الحاكم النيسابوري كما قال في المستدرك.

أعلم أنّ هيبة الصحيح تُعمي وتُصمّ، ولا اعتراض لديّ على ما توبع عليه سهيل فثبت فيه ضبطه للرواية، اعتراضي على هذه النيوءة التي انفرد سهيل بروايتها عن أبي صالح.

وفي صحيح مسلم أحرف يسيرة من أخلاط سهيل بن أبي صالح  لم يُحسن الإمام مسلم – غفر الله له – في انتقائها ولم يُوفّق في تصحيحها كما سأبيّن لكم بالدليل القاطع بعيداً عن العواطف الزائفة فـــ

“النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم”

ولا واللهِ، لا أسكتُ عن نُبوءة نُسبت زوراً إلى النبي محمد، والله الموعد !

نسخة للطبع نسخة للطبع