هل انتشر الإسلام بالسيف ؟


في العصور السحيقة الغابرة كان لكلّ أمة دين، فما من أمّة من الأمم الإنسانية إلا وكانت تؤمن بوجود قوّة أو قُوىً إلـهيّة مع الإيمان بالعجز الإنساني، فاتفقوا على ذلك واختلفوا في تحديد تلك القوى الإلهية، فمن الناس من كان يؤمن بإلوهية الكواكب السيّارة، ومنهم من كان يؤمن بالبروج الثابتة، ومنهم من يعبد الشمس ومنهم من يعبد القمر إلى غير ذلك من الأديان والعقائد، ومنهم من كان يعمل بيده أصناماً وأوثاناً، وقد يكون الوَثَنُ رمزاً للإله السماوي، فعَبدَةُ القمَر اتخذوا للقمر صنماً على صورة ثور أو عجل فعبدوه، وكان الناس في العصور السحيقة يفزعون إلى الآلهة عند العجز فيفعلون ذلك في التجارة لطلب الرزق وفي النكاح لطلب الوَلَد وفي القحط لطلب المطر وفي الطاعون لطلب الشفاء وما شابه ذلك، لكن أكثر ما تكون الحاجة إلى المفازع الإلهية عند الحروب، ولذلك كان لكلّ أمة من الأمم مَفزَع يفزعون إليه عند الحرب عند الشعور بالضعف والوَهَن، فإذا وقعت الحرب بين دولتين أو شَعبَيْن أو قبيلتَيْن فانتصر أحدهما على الآخر قال المنتصر: غَلَب إلاهي
! وقال المغلوب: خذلني إلاهي! ولذلك كان “الدين” أوّل ضحايا النزاعات البشرية، إذ كان أوّل ما يُستبدله الناسُ بعد انتهاء الحروب الكبيرة.

المغلوب يخلع عقائده ويذهب بنفسه إلى صنمه فيكسره بيده ثم يأتي بصنم الغالب فيعبده، وقِس على ذلك الكفران بالشرائع والقوانين والعادات والتقاليد، وأحياناً لا يُكفر بالإلـه المغلوب بل يُشرك معه الإله الغالب، وظهر ذلك في عصر الإمبراطوريات، تحتفظ بعض الشعوب والقبائل بآلهتها وببعض شرائعها وتقاليدها شعب، ويُضاف إلـه الغالب ملك الملوك باعتباره الإله الأعلى المشترك، وينسحب ذلك بالطبع على الشرائع والقوانين والعادات والتقاليد، وهذه الحقيقة يعرفها كل من استقرأ التأريخ البشري منذ تدوينه.

وبناء على تلك المعطيات وشواهدنا من التواريخ لا حصر لها زعم بعض المفكّرين من المستشرقين بأنّ الفضل في انتشار الإسلام يعود إلى السيف لا إلى شيء آخر. وزعموا أنّ تحوّل الشعوب إلى الدين الإسلامي سببه تغلّب العرب الذين تفوّقت جيوشهم ببعض التكتيكات القتالية كالفروسية والرماية وتطوير وسائل التنقّل والاتصالات كاستعمال الجمال والحمام الزاجل، فلما فُتحت مشارق الأرض ومغاربها بالسيوف العربية كان من الطبيعي أن تدخل الأمم في دين الإسلام أفواجاً. وساعدهم على تثبيت تلك التهمة أنّ فينا معشر المسلمين من لا يُحسن سرد التاريخ الإسلامي.

فالحمد لله الذي جعل من مرض المسلمين دليلاً على صحة الإسلام !

إنني أتكلم عن “معجزة” فريدة لا نظير لها في التأريخ الإنساني، عن أحداث تاريخية متواترة لا ينكرها مستشرق ولا مستغرب، هي والله من أعظم معجزات الإسلام . ولن أبالغ إن قلت لكم:

 إنها أعظم من معجزة عصا موسى وناقة صالح ؟

شيء خطير فأعيروني سمعكم – يرحمكم الله – فإنّ للحديث بقيّة

نسخة للطبع نسخة للطبع