تَرَقُّبُ الفوضى لجني الأرباح في الوقت الضائع تحت شعار الفوضى الخلاقة أو الفوضى المحمودة كما يسمّيها أتباع ابن لادن هو أعلى درجات الفشل والانحطاط الإنساني.
ومن الناس من يقول: ما لكَ ولداعش ! دع داعش تستدرج القوى العظمى إلى مستنقع الأوحال وردغة الخبال فتضرب بعضهم ببعضٍ ” لا تدري لعلَّ اللهَ يُحدثُ بعدَ ذلك أمراً ” ؟ ألم تخرج العرب بمكسب الثورة العربية الكبرى بعد تورّط الأتراك بالحرب العالمية الأولى ؟
الجواب :
لا يختلف العقلاء فيما تُولّده الفوضى العارمة من إفرازات وتشكيلات جديدة قد تفضي أحياناً إلى نتائج محمودة، ألا ترون كيف يفاخر الأمريكان بالحرب الأهلية على بشاعتها لما أفرزته من حلول جذرية وإصلاحات سياسية واجتماعية وأخلاقية ؟
في الظروف الاستثنائية والمتوتّرة قد يتمكّن الشرّير من إشعال نار الفتنة بين البشر كما نجحت المنظمة الشبابية الإرهابية المعروفة باسم “البوسنة الشابة” في إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى بعد أن قام عضوها الطالب الصربي “جافريلو برينسيب” باغتيال وريث عرش امبراطورية النمسا فأشعل الشاب المعتوه نار الفتنة بين الكبار ثم أصبحت تلك المنظمة نسياً منسيّاً.
لكن تأمل الفارق بين ما جرى مطلع القرن العشرين وما يجري اليوم …
في الحرب العالمية الأولى استدرجت القوى العظمى إلى الحرب على الأرض الأوروبية فتحرّكت البوارج والجيوش الاستعمارية من أطراف الأرض إلى أوربا بما يشبه الهجرة المعاكسة لأسراب الطيور المهاجرة.
تحالف الأوروبيّون وتداعَوْا إلى خراب بيوتهم – أليس كذلك – ؟ ألا تعلم أنه لولا تورّط الخلافة العثمانية في تلك الحرب لما حظيت بالصبغة العالمية، إذ كان المفكّرون والمؤرخون الأمريكان ينعتون تلك الحرب العظيمة بـ”الحرب الأوروبية” ! فلما وقعت الحرب العالمية التالية وكانت عالمية بكل المقاييس الجغرافية اصطلحوا على تلقيب “السابقة” بالأولى و”اللاحقة” بالثانية.
خسرت الخلافة العثمانية الإسلامية تلك الحرب واستغلّ ناسٌ من العرب فوضى الحرب فنجحوا في فكّ الارتباط بالأتراك .
فرحوا بثورتهم حيناً من الدهر حتى جاء موسم الحصاد ..
اقرأوا التاريخ وطوّلوا ذاكرتكم – يرحمكم الله – !
ماذا أعد الفرحون لتلك الأيام ؟
أي شيء كانوا يملكون ؟
لا شيء !
فعلناها بأيدينا فعضضنا أصابع الندم، تلاعبت بنا الأمم العظيمة وتقاذفونا كما تتقاذف كرة قدم في الدوري الأوربي من الدرجة الثالثة حتى نشأ عندهم مصطلح “الفراغ السياسي” في وصف الشرق الأوسط .
من لا يتمتّع بذاكرة طويلة لا يتمتّع بعمر مديد، هكذا علّمتنا الطبيعة !
ما فرحة المغفّلين بسكاكين الدواعش وتفجيراتهم هنا وهناك وفرحتهم بالاشتباك بين الأتراك والروس على تخوم الشَأْم إلا كفرحة الذبابة برحيق الحلوى قبل أن يسحقها العدوّ المتربص بأسبابٍ لا يفلت منها المطلوب.
وستذكرون ما أقول لكم
وللحديث بقية