ألم أقل لكم : داعش تستدرجكم إلى حرب عالمية ثالثة*

ما ذكرتُه في المقال السابق [يوم الجمعة 20/11/2015] لم يكن كهانةَ دجل، بل كانت توقّعات مبنيّة على عوامل محسوسة ومصانع ملموسة، ولا يعلم الغيب إلا الله.

هزيمة داعش في سنجار وانسحابهم منها على عجل قبل أيام كان أشبه بهديّة مسمومة من حلوى نَتِنة مغلفة بعَبق الطيب، والحكيم يبصر الحقيقة بالمقارنة بين الصمود الأسطوري للدواعش في كوباني، وهزيمتهم المشينة و”الماكرة” في سنجار!

ما إن استعد السناجرة للفرحة بالتحرّر من كابوس داعش حتى جاءهم النذير بالفتنة والخلاف على السيادة، فوقعت المناوشات المسلحة بين الحشد الشعبي والبيشمركة وزعم كلٌّ منهما أنه قد تلقّى طعنة في الظهر قبل أن ينطق بها بوتين.

ولئن كان ذلك بين القوى المحليّة العراقية على إقليم هامشي ثانوي فما عساه يكون بين الكبار من القوى العظمى وسائر القوى الدولية والإقليمية والمحليّة بعد ازدحام المنطقة باختلاطها بالطائرات والصواريخ والرادارات والبارجات والغوّاصات ؟

لم تمض أيام على كتابة مقالي السابق حتى جاء النذير بخبر إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ تركي جو – جو .

الحادثة – بلا شك – لم تكن مجرّد نيران صديقة أخطأت في الزحمة، الأمر أعظم وأكبر ولا يخفى على مُفكّر عاقل، لكن هنالك ثلاث مصائب أدعوكم إلى تأمّلها فهي الأخطر والأدهى:

الأولى: اختراق الطائرة الروسية للمجال الجوي التركي كان تجاوزاً يسيراً على طرف هامشي محدود جدّاً جدّاً، ولذلك عثر على أجزاء من حطام الطائرة على أراضٍ سورية وأخرى تناثرت على أراضٍ تركية، فماذا يعني هذا ؟

الجواب: يعني أنّ أقل القليل من الاحتكاك والتشابك مع أقلّ القليل من سوء التفاهم في أقلّ القليل من أجزاء الدقيقة قد ينتهي بنارٍ وحرب كعود الثقاب المشتعل حين يدنو من البارود أو البنزين، وهذا يذكّرنا برعب الصواريخ إبان الحرب الباردة وتدشين الخط الساخن لتفادي الكارثة النووية.

أما المصيبة الثانية : فهي سقوط الطيّار الروسي بأيدي قوّات المعارضة السورية وتمكّن المعارضة ذات اليد القصيرة من تدمير المروحية الروسية لمّا هبطت إليهم على طبق من ذهب، فماذا يعني هذا ؟

الجواب: يعني أنّ المشكلة الثنائية بين الكبيرَيْن فسحت المجال لمشاركة طرفٍ ثالثٍ صغير، قصير اليد والحيلة، ساق إليه الحظُّ حصّةً نفيسة من الصيد الثمين – تماماً – كما تحظى  النسور المتربّصة بحصة ثمينة من الفريسة حين تنشغل السباع بالتنازع عليها، ونفهم من تلك التجربة أنّ المشكلة الصغيرة في تلك المنطقة الملتهبة قابلة للتحوّل من عُقدة إلى مَعضَلة، [المعضلة في اصطلاح اللغة العربية الفصحى هي المشكلة إذا كبرت واشتدّت فكثرت عقدها وتشابكت، عندئذ يستحيل الإشكال إلى مَعْضَلة لا يمكن فكّها وحلّها إلا بمزيد من القوّة والدماء، مشتقة من العضلة والعضلات، تعلمون ما هي].

أما الثالثة: فالحادثة – على صِغَر حجمها – تنكأ جرحاً غائراً عميقاً بالغ الحساسية، ففي مثل هذه الأيام، وفي مثل هذا الشهر، قبل قرن من الزمان، وفي ظروف قريبة الشبه، أغارت القوّات التركية الإسلامية [أي قبل عصر العلمانية] على الأسطول الروسي فتحوّلت المواجهات الأوروبية إلى حرب عالمية لم يسبق لها نظير في التاريخ الإنساني، أجمع المؤرخون على وصفها بالحرب العالمية الأولى، وكان الشيخ الفقيه السلفي محمد رشيد رضا – رحمه الله – قد أنذر الأتراك وحذّرهم من التحرّش بالروس والتورّط في الحرب فأصمّوا آذانهم عن النذارة فكانت عاقبة ذلك خسراً …

أبيدت خلافة العثمانيين وتشتّت العالم الإسلامي فاقتطعت الأوطان، ومُزّقت الأوصال، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ ..

وللحديث بقية

نسخة للطبع نسخة للطبع