جاءت فتنة باريس ولمّا تجف أقلامنا من الكتابة عن “الحرب القذرة” وفتنة الطائرة الروسية والبراميل المتفجّرة.
لقد هممتُ أن أختم المقال السابق – على العادة – بقولي : “وللحديث بقية” لأني لم أفرغ – بعدُ – من الحديث عن الحرب القذرة، فحدّثتُ نفسي بقولي : “قد أكثرتُ منها” فحذفتها…
أما اليوم فأقول : لو كنتُ أعلم الغيب لختمتُ المقال السابق بقولي : “وللأحداث بقيّة” !
ما إن رأيتُ خبر باريس على شاشات التلفزة وشاهدتُ الدمار والفوضى والدماء بالنقل المباشر الحي حتى تذكرتُ قول الشاعر:
بينا يَرى الإنسانُ فيها مُخبِراً
حتى يُرى خَبَراً من الأخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تريدها
صَفْواً من الأقذاءِ والأكدارِ
في الدقائق الأولى من الحادثة سمعتُ بعض المحللّين في إحدى القنوات الفضائية يقول :
“علينا أن لا نستبق الأحداث والتحرّيات الأمنية فقد تكون مجرّد مواجهات بين عصابات المخدرات”.
أعجبني ذلك فالتؤدة والأناة من الخصال الحميدة، ولا أخفيكم سرّاً فقد كنتُ في الدقائق الأولى أمنّي نفسي على طريقة النعامة أو الإعلام المصري في التعاطي مع حادثة الطائرة الروسية فأقول:
“اللهم اجعلها كذلك .. واللهم اصرفها عن المسلمين … اللهم اجعلها حادثاً عرَضياً .. أنبوبة غاز انفجرت صدفةُ عن غير قصد في مطبخ لمطعم مزدحم قرب ملعب فيه رئيس الجمهورية تزامت صدفة مع إطلاق نار في حَيّ آخر وحيّ ثالث بالصدفة فأثارت الفوضى والهلع”.
فلم يلبثْ أن قطع علينا الإعلام الفرنسي متعة الأحلام والأماني بالإعلان الرسمي عن تعرّض باريس لهجمات إرهابية متزامنة من أشخاص كانوا يردّدون كلمة:
” الله أكبر”
فاستسلمت للحقيقة المُرّة واستحضرتُ حينها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“إنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتَنٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ“.
[رواه مسلم]
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : “فتن فيُرقّقُ بعضُها بعضاً” أي تكون الفتنة في أعين الناس عظيمة فتصير خفيفة رقيقة لِعِظًمِ ما بعدها، وهذا – تماماً – ما وقع لحادثة الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء فقد كان الإعلام قبل يومين منصرفاً منشغلاً بذلك الحدث الجَلَل، لا حديث للساسة والمفكرين والإعلاميين والمُحلّلين إلا عن سيناء وما كان فيها، وما سيكون، وما لو كان كيف يكون، لقد كانت الحدث الأعظم حتى جاءت أحداث باريس فانصرف الناس عن سيناء وكأنّ شيئاً لم يكن فيها.
قبل عقود من الزمن ظننا أن فتنة جهيمان هي أعظم الفتن وترقّب ناسٌ يومَ القيامة لمّا رأوا الفوضى والدمار في المسجد الحرام فقطع الله فتنة جهيمان واستمرّت الدنيا على ما هي ولم تقم الساعة …
ثم طلع ابن لادن فانسى الناس جهيمان وأيامه فجلب الحِمَمَ والدمار على الشعب الأفغاني والعراقي بفعلته وخرب بيوتهم بلا طائل وانتظر ناسٌ قيام الساعة فقطع الله فتنته ولم تقم الساعة ..
ثم طلعت علينا داعش لا عقل ولا ذمة ، ولا دين ولا رحمة…
فالله وحده يعلم ما تخفي لنا الأيام ..
تعدّدت الوجوه وتعدّدت الضحايا والإرهاب واحد