نشر الموقع الرسمي لإمارة الطالبان على شبكة الانترنت بياناً بعنوان “السيرة الذاتية لأمير إمارة أفغانستان الإسلامية – ملا أختر محمد منصور” تضمن أول اعتراف رسمي صريح بتحديد يوم وفاة الملا عمر بتأريخ 23/4/2013 م ، وذكر البيان أن عدداً من العلماء وأعضاء المجلس القيادي وأصحاب الملا عمر الذين عاشروه بالإضافة إلى الشخص الوسيط [ ؟ ] الذي كان بين الملا عمر والمجلس القيادي قاموا ببيعة الملا أختر منصور وعيّنوه أميراً جديداً للإمارة ، [مما يعني أنّ الفكَّ والربط كان سنة 2013].
ثم علّل البيان سببَ كتمان خبر الوفاة بأنّ عام 2013 كان عام اختبار القوة العسكرية بين الجانبين، أما عام 2014 فكان العام الذي عيّنه المحتلّون لتقرير مصير احتلالهم ، وجاء في البيان ما نصّه :
” ففُضّل بغرض المصلحة الجهادية وبموافقة العلماء كتم خبر وفاة المرحوم أمير المؤمنين عن بقية الناس ، وهكذا بقي الخبر سرّاً مصوناً إلى تاريخ 30/7/2015 م بشكل خارق للعادة نظراً للمصلحة الجهادية الخاصة ” .
مصيبة كبرى !
فضيحة !
عذرٌ أقبح من ذنب ، قد كنا نظن أنّ عذرهم في إرجاء الإعلان عن الخبر هو الشكّ في وفاته أو اعتقاله كأن يفقد الاتصال بموت الوسيط أو نحو ذلك ، مثاله [ مع بعض الفارق ] ما يُعرف في الفقه الإسلامي بأحكام المفقود أو أحكام الغائب المنتظر كالمرأة التي يغيب عنها زوجها ، يخرج للحرب فلا يعود ، أو يبحر في البحر فينقطع خبر مركبهم ونحو ذلك من الأعذار ، لكن تبيّن – أخيراً – أن الأصحاب والعلماء وأعضاء المجلس القيادي ومعهم [ وسيط مجهول ] كانوا على علم بالخبر فحلّوا وعقدوا وبايعوا ونصّبوا ثم أصدروا الأوامر والبيانات الزائفة باسم الأول زوراً وبهتاناً .
حقّاً إنّ هذا لأمرٌ خارقٌ للعادة ، كما قال الشاعر الجاهلي قيس الخزاعي :
فلا يسمعن سِرّي وسرّك ثالثٌ *** ألا كلّ سِرٍّ جاوز اثنين شائعُ
والشاهد منه أنّ السرّ بالإمكان كتمانه لأمد طويل مادام بين اثنين لا ثالث لهما ، فإذا جاوز اثنين صعب كتمه ، فكيف وقد عرف خبرَ الموت عددٌ من العلماء وأعضاء مجلس الشورى وأصحاب الملا عمر وضابط الاتصال لأكثر من عامين وثلاثة أشهر دون علم الناس .
إنّ هذا لشيءٌ عُجاب
وبالعودة إلى ما ذكرناه في المقال السابق فإنّ خبر وفاة الملا عمر ليس كخبر الحُبّ العذري الذي أشار إليه قيس الخزاعي الملقب بصعلوك العرب وكان أمراً شخصيّاً بينه وبين حبيبته أم مالك الخزاعية ..
نحن أمام خبر يتعلق بأمير المؤمنين
أمير الأمة
و “الأمير” على وزن فعيل من الكثرة والمبالغة في إصدار الأوامر.
أمير مرتبط بعَقد وعهد مع ألوف مؤلفة من الشعب الأفغاني .
وهو أمير الظواهري وأصحابه الذين ردّوا بيعة البغدادي بإمارة زائفة قد حَثواْ على صاحبها الترابَ …
الأمر يتعلّق بأمير تؤخذ له البيعة من الناس باسمه ، وتُعقَد الألوية برسمه ، وتسفك الدماء بأمره ، ويُقعد للتفاوض بإذنه..
أمير المؤمنين !
هي – بالطبع – حالة نادرة خارقة للعادة بكل المقاييس وهذا الوصف أحسن ما جاء في البيان.
أعجوبة من الأعاجيب ، تصلح لاتخاذها أنموذجاً لعلماء النفس والمتخصصين في دراسة الطبع البشري .
وتصلح لاتخاذها عبرةً لرجال الأمن والاستخبارات الذين فشلوا في الكشف عن خبر أخطر المطلوبين [ إنْ لم تثبت مشاركتهم في كتمان السر ] .
وتصلح لاتخاذها مثالاً للفقهاء والشيوخ المتخصّصين في علم الأصول ، وعلم القراءات ، وعلوم الحديث وغيرها من العلوم الإسلامية التي تُعنى بتحديد مصطلح “الخبر المتواتر المفيد للعمل القطعي”.