قيادة الطالبان والقاعدة لم تفقد الملا عمر فحسب بل فقدت المصداقية والشفافية

قال أبو المنذر الشنقيطي في مشروعية إخفاء موت الأمراء :

“كثيرا ما كان يحدث في التاريخ انتشار الفوضى وظهور التمرد واختلاف الكلمة عندما يتم الإعلان عن وفاة القائد الذي كان يجمع الناس ويوحّد صفَّهم ، ومن أمثلة ذلك انتشار الردة في أغلب مناطق الجزيرة العربية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم” اهـ .

وجوابنا عليه : أنْ لا خوف على أُمّةٍ بناؤها والصلاح والصدق والشفافية والإيمان بالله الحيّ الذي لا يموت .

وقد نسي الفقيه الزئبقي أنْ يذكر لنا متى كان مبدأ الردّة عن الإسلام ؟

ومتى بدأ التمرد المسلح وإشاعة الفوضى ؟

ألم يكن باتفاق المؤرخين في المرض قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟

إنّ ما ذكره الفقيه الزئبقي لم يكن مجرّد أمر متوقّع بل واقعاً ملموساً محسوساً ومع ذلك لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بكتمان مرضه أو وفاته بل دعاهم إلى التأهّب والاستعداد لمرحلة ما بعد الموت ، وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأيام الأخيرة من حياته الطيبة لما اشتد به وجعه :

 “إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده” 

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

 “إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله” 

ثم كثر اللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

” قوموا عني “اهـ .

فخشية الافتراق والفوضى في مثل تلك الظروف كانت متوقّعة كما دلّت عليه الرواية وغيرها من الأحاديث الصحاح ومع ذلك لم يكتم الصحابة خبر موت الزعيم الأعظم صلى الله عليه وسلم .

الحلول المشروعة كثيرة ومتنوعة وحسبنا كتاب الله الذي ينهى عن الباطل والخداع والغش .

لقد بويع لأبي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً بطرائق شتى معروفة لا تخفى على أحد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الجيوش أمّر على الجيش الواحد أميراً واحداً فلما كانت غزوة مؤتة حالةً استثنائية بكل المقاييس واختلّت موازين القوى ، ثلاثة آلاف مسلم في مقابل مائتي ألف كافر ! اتخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إجراءات إدارية استثنائية كما روى الإمام أحمد بسند صحيح  عن أبي قَتَادَةَ فَارسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلَّم ، أنه قال : بَعَثَ رَسولُ اللَّه صلى اللَّه عليْهِ وسلَّم جَيْشَ الْأُمَرَاءِ ، وقال :

 ” عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ “

فَانْطَلَقُوا فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَمَرَ ، فَنُودِيَ : ” الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ” , فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :

 ” ثَابَ خَيْرٌ ثَابَ خَيْرٌ – ثَلَاثًا – أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِي ، انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ , ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا , اشْهَدُوا لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفِرُوا لَهُ , ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ , ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأُمَرَاءِ , هُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ ”

 ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

 ” اللَّهُمَّ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِكَ فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ . فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ سَيْفَ اللَّهِ “اهـ .

باللهِ عليكم ؛ رأيتم نظاماً إدارياً قائماً على الرشاد والصدق والشفافية مثل النظام النبوي ؟

تأمّلوا الرواية قبل إتمام الحديث عن بعض فوائدها ..

فللحديث بقية

نسخة للطبع نسخة للطبع