مقارنة بين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى مصر

” سأل أصحاب النبيِّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : من أكرم الناس ؟

فقال : أتقاكم

قالوا : يا رسول الله إنما هو في الدنيا ؟

فقال : أكرم الناس الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .

قال : إنما نعني فيما بيننا ؟

قال : فعن معادن الناس تسألوني ؟

قالوا : نعم

قال : خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ” .

قفوا معي نتأمل هذا الحديث الصحيح ، نقارنه بما قبله ” خير الناس أنفع الناس للناس ” والذي قبله – أعني – قصة الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم لنَنْظرْ ما يفتح الله علينا من الخير والحكمة ، ” ومَنْ يُرِدِ اللهُ به خيراً يفقّهْهُ في الدين ” .

قلنا إنّ الهجرة الأولى إلى الحبشة بلاد الملك النجاشي كانت بإجماع المؤرخين هجرة من بلدٍ يمارس فيه الظلم والبغي والاضطهاد الديني إلى بلد آمن يتوطّنه شعبٌ مُسالم يحكمهم مَلِكٌ عادل لا يقبل الرشوة ، ولا يُظلم عنده أحد .

بلدةٌ طيّبة …

شعبٌ مسالم ، ونظامٌ إداري رشيد ، ونظام قضائي عادل ، وملكٌ صالح غير مستكبر ولا مرتش …

لا يهمّنا بعد ذلك بأي مِلّة كانوا يدينون أو ما هي البقعة الأرضية الأقدس عند الله ؛ مكة المكرمة أم بلاد الحبشة فليس عن ذلك نسأل .

أما أكرم الناس وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ، يوسف نبي الله بن يعقوب نبي الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الرحمن – عليهم الصلاة والسلام – فلم يهاجر إلى مصر بإرادته واختياره كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل انتزع غصباً من كَنَف والده يعقوب نبي الله ثم ألقي به ظلما وعدواناً في الجُبّ [ البئر ] فحُمل لقيطاً عبداً مملوكاً بغير إرادته إلى مصر وانتهى به المطاف خادماً في قصر العزيز ثم رمي في السجن ثم رُفع إلى البلاط الملكي . وانتهت بهجرة آل يوسف من بادية فلسطين إلى مصر .

   قصة معروفة قبل الإسلام وبعده ، أحداثها طويلة وتفاصيلها مثيرة ، أنزل الله تعالى فيها سورة قرآنية افتتح سرد وقائعها التاريخية بقوله سبحانه : 

” نحنُ نقُصُّ عليكَ أحسنَ القَصَصَ ” 

واختتمها بقوله سبحانه :

” لقد كان في قَصَصهم عبرة لأولي الألباب “

خاتمة تفسّر الفاتحة لأنّ قصة يوسف عليه السلام كانت معروفة قبل الإسلام يرويها أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأطول من ذلك ما الجديد ؟

الجديد في التصديق والتوثيق آمنا به كلٌّ من عند ربّنا ، والجديد فيما افتتح به :

” نحنُ نقصُّ عليك أحسنَ القصص ” 

ذكر القرآن بعضاً من وقائع الحكاية وسكت عن بعض ، وفصّلاً بعضاً وأجَمَل بعضاً ، وأطال بعضاً واختصر بعضاً ، وانتقل في سرد الوقائع من البادية إلى الحاضرة ومن الحاضرة إلى البادية ، وبعضاً مما كان في السفر ، وما قيل في السرّ والعلن ، وكان الله بكل ذلك عليماً خبيراً محيطاً .

فالسعيد من انتفع واعتبر بقصص القرآن ، والشقي من شغله البحثُ في المُهْمَل عن المُبيَّن ، والمسكوت عن المنطوق كانشغال بعض المفسرين في البحث عن مائدة امرأة العزيز التي قُدّمت للنسوة فقطّعن أيديَهم لما رأين يوسف عليه السلام هل كانت أطباق ” الأترج ” مع العسل أم فاكهة ” البزماورد ” أم كانت لحمَ الجاموس والبقر ؟

وللحديث بقية

نسخة للطبع نسخة للطبع