أول حوار مَلَكي في الإسلام

لمسلمون المهاجرون الأولون إلى الحبشة كانوا عرباً من الصحراء …

لا علم لهم بالقصور والبرتوكولات الملكية ..

ولجوا إلى البلاط الملكي فأحاط بهم بطارقة النجاشي من القسيسين والرهبان، والنجاشي ملك ملوك الحبشة جالس على عرشه فلم يسجدوا له ..

مشهد رهيب ….

صوّره القرآن الكريم من زاوية واحدة .. 
نعم ، من زاوية واحدة

قال الله جل وعلا : 

” ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون”

تخيّل لو كان النجاشي كملك فارس “شاه بور” الذي كانت تلقّبه العرب بذي الأكتاف لأنه نزع أكتاف رؤساء العرب وأثخن فيهم وأجلاهم من فارس والبحرين واليمامة حتى فرّروا إلى الروم وتنصّروا وكان ذلك قبل الإسلام .

أو تخيّل لو كان النجاشي كعامل كسرى الملك ” آزاد فيروز ” الذي سمته العرب “المُكعبر” ، وما أدراك ما المكعبر ؟

لقبوه بذلك لأنه زاد على “شاه بور” فقطع الأيدي والأرجل ولم يدع لبني تميم ورؤساء العرب عيناً تطرف …..

لتعلم لماذا أعرض القرآن الكريم عن وصف العرش والقصر ، والطول والعرض واكتفى – سبحانه وتعالى – بقوله :

 “وأنهم لا يستكبرون” 

قال النجاشي : ”  مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ ، وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ ” ؟ 

قبل سماع الجواب أدعوك إلى تأمّلْ حُسنَ اختيار الصحابة رضوان الله عليهم ، وحُسن جواب المختار رضي الله عنه .

قدّم المهاجرون رجلاً كان أشبه أهل الأرض برسول الله صلى الله عليه وسلم من خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :

” أشبَهتَ خَلقي وخُلُقي ”

شبيهُ النبي صلى الله عليه وسلم كان ابنَ عمّه سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، تقدّم إلى النجاشي فأجابه بقوله : 

 ” أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ، قَالَ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بِلادِكَ فَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ “. اهـ

بالله عليك هل سمعت خيراً من هذا الجواب ؟

هل رأيت خيراً من هذا الوصف ؟

جواب ذكي ، ووصف عبقري … نثر محاسن الإسلام كنثر الأزهار والورود ..

تعلّم أيها المسلم كيف تفرض على غير المسلمين توقير محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا سيف أو رمح ….

نسخة للطبع نسخة للطبع