خصال النجاشي ونبذة من فقه الأقليات المسلمة ج1

 المسلمون الأولون كانوا صخرة الأساس التي بُني عليها صرح الإسلام ، والمهاجرون الأولون هم الصادقون بنص القرآن الكريم :

” للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ، وينصرون الله ورسولَه ، أولئك هم الصادقون ” [ سورة الحشر : 8 ] .

يكفينا أن نعلم أن الدفعة الأولى من المهاجرين الفارين بدينهم إلى الله كان فيهم ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بصحبة امرأته رقية بنت رسول الله – عليها وعلى أبيها الصلاة والسلام – .

في ذلك الزمان كان سبي النساء وقطع الطريق شائع في الأمم عامة وفي جزيرة خاصّة فهل أدركتم أيها المسلمون ماذا يعني أن يختار نبيّكم لابنته الهجرةَ إلى أرض الحبشة ؟

المهاجرون الصادقون ثمرة حلوة من ثمرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، نزلوا بأرض صدق تحت ظلال ملك عادل لا يُظلم أحدٌ عنده .

أعجب ما في الحكاية أن الجالية المسلمة من المهاجرين الغرباء عن الوطن اندمجت في المجتمع الحبشي المسيحي بهدوء وأمن وسلام حتى وفد عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص على النجاشي وبطارقته برشاوى قريش ليردّ المسلمين المهاجرين على المشركين الظالمين فقالوا له : 

أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إنَّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ ، وَجَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ ، فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ”.

قَالَتْ أم سلمة [ راوية القصة ] : وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وعمرو بن العاص مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النَّجَاشِيُّ.

قَالَتْ : فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ : صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ .

قَالت : فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : لَاهَا اللَّهِ ، إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي ، وَنَزَلُوا بِلَادِي ، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا ، وَرَدَدْتُهُمْ إلَى قَوْمِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا ، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي”.

ذلك التصرف من النجاشي دل خصال حميدة كان يتمتّع بها ذلك الملك الأرثوذكسي قبل إسلامه :

أولها : كان النجاشي قبل إسلامه ملكاً خيّراً صالحاً ، فإن قيل : كيف يُقال في كافرٍ صالحٌ وقد قال الله تعالى : ” أولئك هم شرّ البرية ” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر له ما يفعل نصارى الحبشة بقبور الصالحين : ” أولئك شرار الخلق … الحديث ” ؟

الجواب : هو صالح من وجوه فهو غير مرتشٍ ، فنظامه الإداري صالح غير فاسد ، ومعدنه طيّب وجيّد كالذهب الخالص كما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “تجدون الناس معادن ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”.

يتبع

نسخة للطبع نسخة للطبع