منذ عودة مروان الأموي الملقب بمروان الحمار إلى بلاد الشام سنة 127 هـ انقلبت أحوال الشام رأساً على عقب ودخلت البلاد في فوضى عارمة تشبه الفوضى المعاصرة ، بدأ الأمر بتنازع الأمويين على السلطة وانتهى بزوال دولتهم على يد الهاشميين وختم بالمجزرة البشعة الفظيعة التي ارتكبها عبد الله بن علي عم الخليفة المنصور وكان الإمام الأوزاعي شاهداً على العصر .
في تلك الفترة العصيبة كان عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان صاحب الأوزاعي في الخمسينات من عمره [ تقريباً ] ، وكانت لتلك الأيام آثار نفسية قاسية فصبر الرجلان ما شاء الله أن يصبرا فثبت الأوزاعي إمام السنة في الشام ، وانقلب ابن ثوبان إلى التطرّف والغلو ، فسد مزاجه رضي الله عنه لعلّة خفيّة فترك الجمعة وصلوات الجماعة …
الإمام ابن ثوبان يهجر مساجد المسلمين ؟؟؟
الأمر يحتاج إلى وقفة تأمل …
ابن ثوبان العابد الزاهد المجاهد الذي لا يفارق طوق السيف عنقه هجر الرباط في سبيل الله على ثغور الدولة الإسلامية ؟؟؟
شيء مثير للدهشة والحيرة …
الإمام الأوزاعي احتار في أمر صاحبه وأشفق عليه فكان يتعاهده بالنصيحة ويحرص على إخراجه من عزلته وقد حفظ الله لنا من ذلك رسالة كتبها الأوزاعي إلى ابن ثوبان وهو مقيم بمعتزله في صيدا ، رواها الإمام يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح وأوردها الحافظ ابن عساكر في التاريخ من طريقه ، وهي وثيقة هامة تبيّن سيرة السلف الصالح في محاربة الغلو والتطرّف وجهود الإمام الأوزاعي رحمه الله في الحفاظ على السنة ، سأخصص لها مقالاً مستقلاً – لاحقاً – إن شاء الله تعالى .
ثغور الشام وبلاد الروم [ تركيا ] كانت الأبواب التي تحفظ بلاد المسلمين من هجمات البيزنط والرومان الذين يحلمون بالعودة للسيطرة على العالم الإسلامي ، فما فائدة السيف إن كان صاحب السيف وراوي حديث السيف معتزلاً بضيعته في صيدا يبصبص بسيفه للسباع ؟
وهنا طريفة أذكرها للتندّر ليس غيرُ، ولولا أن الحافظ ابن عساكر أوردها في تاريخه لاستحييتُ من ذكرها ، رواها مسندة في ترجمة إبراهيم بن مخلد الجبيلي بسنده إليه قال – والعهدة عليه – :
” خرج عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان بصيدا إلى الرحى ، وأخرج معه حمارة وعليها غرارة قمح [ الغرارة كيس كبير ] إلى الطاحون ، فلما صار إلى الطاحون ألقى الغرارة وخلّى الحمارة ترتع في المرج ، فجاء السبُع فافترس الحمارة فلما طحن طحينه خرج يطلب الحمارة فأصاب السبُع قد افترسها فجاء إلى السبع فقال : يا كلب الله أكلتَ حمارتنا ، فتعال احمل دقيقَنا ، فحَمَلَ الغرارة على السبع ، فلما صار إلى باب صيدا ألقى الغرارة عن السبع ، وقال له : اذهب لا تُفزع الصبيان “.