أبدع المهلهل أخو امرئ القيس في وصف التوحّش أو حالة النوبة الهيستيرية التي أصيب بها في الحرب انتقاماً لأخيه كُليب وصوّر بكلماته ما فعل بالقتلى وكيف أعرض عن الانشغال بالسَّلب والغنائم ، و” السَّلَب” بفتح اللام هو ما يكون مع القتيل من ثياب وسلاح ونحوه يأخذه القاتل غنيمة ، لكنّ المهلهل مزّق الدروع ونقّر المغافر [ المغفرة هي الخوذة ؛ درع الرأس ] فأتلفها كي تنهش الضباع والنسور أوصال الجثث ..
وصف بديع لُغويّاً وفظيع أخلاقياً اقتبسه الشاعر العباسي أبو تمام الطائي مع شيء من التهذيب في ملحمته عن فتح عمورية التي افتتحها بقوله :
السيف أصدق إنباءً من الكُتبِ
في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعبِ
وفيها يقول :
إن الأسودَ أسودَ الغابِ همّتها
يوم الكريهة في المسلوب لا السَّلَب
والتشبه بالسباع له علاقة بتكتيك حربي إرهابي قديم ، فالمحاربون في العصور السحيقة البدائية كانوا يتنكّرون بلباس السباع والوحوش لإثارة الرعب في نفوس الأعداء كما تفعل الدواعش في عصرنا ، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند في قصة صلح الحديبية أن بشر بن سفيان الكعبي قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما همّ بدخول مكة : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بِمَسيرِك ، فخرجتْ معها العوذُ المطافيل ، قد لبسوا جلودَ النمور ، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عُنوةً أبدا ، فقال النبي : يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ” . إلى آخر ما جاء في الحديث الصحيح واللفظ لأحمد .
وقد كانت الأمم الوثنية في العصور السحيقة تصوّر آلهة الحرب من الأنصاب والأوثان بصور مرعبة ، أما الملوك الفراعنة فكانوا يتشبّهون بالسباع لإدخال الرعب في نفوس الأعداء ولذلك صوّروا تمثال أبي الهول على هيئة الأسد .
ومن طرائف ما رواه ابن عبد الحكم في كتابه ” فتوح مصر والمغرب ” أنّ عمرو بن العاص لما اجتمع بكبار قادة الروم بمصر دعا جماعة من جنوده فصنع لهم طعاماً فقدّم لهم الثريد والعراق [ عظم عليه شيء من اللحم ] وأمر أصحابه بلباس الأكسية واشتمال الصمّاء والقعود على الركب ، فلما حضرت الروم وضعوا كراسيّ الديباج فجلسوا عليها ، وجلست العرب إلى جوانبهم ، فجعل الرجل يلتقم اللقمة العظيمة من الثريد وينهش من ذلك اللحم فيتطاير على من إلى جنبه من الروم ، فبشعت الروم بذلك ، وقالوا : أين أولئك الذين كانوا يأتونا من قبل ؟ [ يعني السفراء والهيئة الدبلوماسية ] فقيل لهم : أولئك أصحاب المشورة ، وهؤلاء أصحاب الحرب [ فتوح مصر 1 / 82 ] .
ولعل الحافظ ابن الأثير قد استوحى من هذه القصة ومثيلاتها عنوان الكتاب الذي جمع فيه سير الأصحاب فسمّاه : ” أُسد الغابة ” ولا حول ولا قوة إلا بالله ..