تعدد الخلافة جائز شرعاً وعقلاً ج3

عاهد النبي صلى الله عليه وسلم كفّارَ قريش على الوفاء بعقود صلح الحديبية فأقرّ العقد الذي ينص على ردّ المؤمنين المهاجرين وتسليمهم إلى السلطة الكافرة ، وهو ما يعني – في المصطلح السياسي – تنازل النبي صلى الله عليه وسلم ، إمام المسلمين عامّة عن الإدارة السياسية لبعض المسلمين .

قلّب الحديث النبوي كما شئتَ لا معنى له غير ذلك ! 

فأضحى حال المؤمنين بمكة المكرمة كمن قال الله سبحانه فيهم في سورة الأنفال : ” والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وَلايتهم من شيء حتى يهاجروا ، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ” [ الأنفال / 72 ] .

” ولايتهم ” قرأها حمزة بكسر الواو والباقون بالفتح ، قال بعض المفسرين : نزلت في الميراث أي ما لكم من ميراثهم من شيء وكانوا يتوارثون بأخوة الإسلام فنسخ ذلك ، وقيل : ليس لهم من الخمس والفيء شيء ، وقيل : ” الولاية ” من النُصرة ، وقيل : من التدبير والإمارة والسلطان .

وجماع ذلك في المصطلح الحديث معناه انتفاء الرابطة السياسية بين الدولة الإسلامية والذين آمنوا ولم يهاجروا . 

لكن الآية من سورة الأنفال تتكلم عن صنف الذين آمنوا ولم يهاجروا ، أما وثيقة الصلح التي أقرّها النبي صلى الله عليه وسلم فتتكلم عن الذين آمنوا وهاجروا [ بعد الصلح ] من المناطق الخاضعة لنفوذ الحلفاء المشركين كمكة المكرمة إلى الدولة الإسلامية فانتبه لهذا الفارق .

فالمشركين اشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم  يوم الحديبية ردّ الذين آمنوا وهاجروا !

لذلك كره الصحابة رضي الله عنهم ذلك الشرط وامتعضوا وصاحوا قائلين :

 سبحان الله

لِمَ نُعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا

كيف نردّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

” نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاء منهم إلينا فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ” .

النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الأمر من منظور المصلحة والمفسدة …

نظرة استراتيجية بعيدة المدى 

وبهذا الكلام الطيب فتح النبي صلى الله عليه وسلم بابَ الفرج .

باباً لا يهتدي إليه إلا أولوا الألباب …

أتعلمون ما ذلك الباب : هو الرخصة – أو بعبارة حديثة – الضوء الأخضر لإنشاء كيان إسلامي سياسي مستقل عن الدولة النبوية …

أو بعبارة أخرى : الرخصة بتعدد الإمامة السياسية .

وللحديث بقية

نسخة للطبع نسخة للطبع