الرق والعبودية في الإسلام ج3

كثير من الناس يحسب أنّ الإسلام قد أقرّ السّباء وأحله على الإطلاق وهذا باطل ، بل بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم السباء ، هذا هو الأصل .

السباء محرم في الإسلام 

روى ابن إسحاق قال حدثني يعقوب بن عتبة [ وهو ثقة ] عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” إنك تنهى عن السبي ” يقول قد سبى العرب ، فقال رسول الله : ” بلى ” ، ثم تحوّل فحوّل قفاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكشف أُسته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه ودعا عليه فأنزل الله جل وعز : ” ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ” ثم أسلم الرجل فحسن إسلامه ” .

إسناده صحيح وصله البخاري في الصحيح فرواه مختصراً عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فلاناً وفلاناً وفي رواية لعن أربعة سمّاهم فلان وفلان ، جاء التصريح بأسمائهم في المسند وغيره . لكن أغلب رواة الحديث كانوا يفضلون إبهام الأسماء واختصار الرواية إجلالاً للنبي كرّم الله وجه ، ولأن الملعونين الأربعة تابوا وأسلموا بعد ذلك . ورواية ابن إسحاق تفصح عن سبب لعن ذلك الرجل الذي أنكر شرع الله وكره النهي عن سبي الناس .

وهذا الحديث يفسّر سبب إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن سبي المرأة الكافرة حين خرج للغزو فأصابهم العطش الشديد فوجدوها على بعير في الخلاء سادلةً رجليها على مزادتين أو سطيحتين كما في صحيح البخاري . ولذلك كذلك أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن سبي أهل مكة حين دخلها فاتحاً فبعث من ينادي في الناس :

” من أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن “

رواه مسلم في الصحيح .


وبذلك تعلم أن ما تقوم به بعض الجماعات المارقة من تشويه للإسلام لا صلة له بالإسلام البتة ، كالإغارة على البيوت والحرمات وسوق النساء والجواري ممن لم يخرج إلى ساحة القتال هو أمر مشين مخالف للشرع الإسلامي . 
إن السبي في العهد النبوي كان مقصوراً على حالة واحدة استثنائية وذلك حين يصحب الأعداء نساءهم وأطفالهم إلى ساحة الحرب للمشاركة في التحريض والصدّ على سبيل الله ، كانوا يضربون بالدف ويلقون الحجارة ، يفعل ذلك المشركون ويقولون : هم لمن غلب أي النساء والذراري والأموال على التقليد القديم . كما فعلت هند بنت عتبة مع نساء المشركين يوم أحد ، خرجت إلى ساحة القتال تنشد وتحرّض المقاتلين بقولها :

إنْ تقبلوا نعانق      ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق      فراق غير وامق

يعني : إنْ أقبلتم وقاتلتم كنا لكم أزواجاً وإن أدبرتم وانهزمتم فارقناكم وفرشنا النمارق لخصومكم ، ومثله فعل قريش والأحابيش عام الحديبية لما خرجوا للنبي صلى الله عليه وسلم ليصدّوه عن المسجد الحرام ، فسبقوا المسلمين إلى مياه الحديبية ومنعوا المسلمين من السقي والشرب فجاء بسر بن سفيان الكعبي إلى رسول الله فقال له : ” هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجت معها العوذ المطافيل [ يعني النساء والأطفال والأبل والنفائس ] قد لبسوا جلود النمور [ أي لباس الحرب ] يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبداً ” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا ويح قريش أكلتهم الحرب ” عند ذلك قال لأصحابه : ” أشيروا علي ، أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم ” .

وتلك العادة العربية الجاهلية انقرضت والحمد لله فسدّت أبواب السبي والرق .

فليفاخر المسلمون أُمم الأرض بالشرع الحق … 

قولوا للناس : إن الإسلام هو أول من شرّع آلية قانونية لإنهاء العبودية والقضاء عليها كوجوب التكفير عن بعض الذنوب بتحرير الرقاب فأبواب التحرير المشرعة في القوانين الإسلامية كثيرة … ولولا شجع التجّار الفجّار وإعراض المسلمين عن هدي الإسلام لتمّ القضاء على العبودية في القرون الأولى كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما مات ولده من مارية القبطية ؛ إبراهيم عليه السلام : ” لو بقي لأعتق كل قبطي ” ، ويُروى بلفظ : ” لو عاش لأعتقتُ أخواله من القبط ” ، يروى مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أصح .
ومن جهة أخرى قال من لا يفهم من أعداء الإسلام ممن يصطاد في الماء العكر : هذا يدل على عنصرية النبي محمد وتعصّبه لمنافعه الشخصية .

وهذا منهم غباء مطبق لأنّ معنى الحديث [ سواء صح مرفوعاً أم موقوفاً عن ابن عباس ] : إنّ إبراهيم عليه السلام يحنّ إلى أخواله أكثر من غيره ، شيء طبيعي فطري هو حنين الفطرة يعين على الاهتمام بإتمام المهمة وتحرير الأخوال ، وكان الأقباط المستعبدين قد انتشروا في الأرض مذ غزا بختنصر مصر فسبا أهلها وساقهم فبيعوا في الأسواق ، وصنيع إبراهيم عليه السلام كان سيحفّز المسلمين على القيام بتحرير سائر العبيد في الأرض ،  كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم عقب غزوة بدر وقد أُسر عمّه العباس بن عبد المطّلب فبالغ الأنصاري في شدّ الوثاق ، فبات العبّاس يئن من الوجع فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أنين عمّه فلم يقدر على النوم ، فقال له بعض أصحابه : ما أسهرك يا نبيَّ الله ؟

قال : أنينُ العباس .

 فقام رجل فأرخى من وثاقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي لا أسمع أنين العبّاس ؟ فقال رجل من القوم : إني أرخيتُ من وثاقه شيئاً ، قال : فافعل ذلك بالأسارى كلّهم ” . رواه ابن سعد في الطبقات ، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى العباس في تلك الليلة عريانا فكساه قميصاً .

إنّ آخر ما نزل من القرآن الكريم في شأن الأسرى قوله تعالى في سورة محمد :

” فإما منّا بعدُ وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها  “

فلم يجعل الله للمسلمين خياراً ثالثاً …

غلّقت الأبواب يا أولي الألباب ….

نسخة للطبع نسخة للطبع