” إذا بويع لخليفتين ” أخطأ الإمام مسلم في انتقائه ولم يجمع العلماء على موافقته

 قال الحافظ الكبير أبو جعفر العقيلي [ ت 322 ] في كتاب الضعفاء معلقاً على حديث ” إذا بويع لخليفتين  فاقتلوا الآخر منهما ” :

” لا تصح من هذه المتون عن النبي عليه السلام شيء من وجه ثابت ” [ كتاب الضعفاء ج 1 / 259 ] .

ونقل الحافظ ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم كلام العقيلي ولم يعقّب عليه فقال : “ضعّف العقيلي أحاديث الباب كلها ” .

ما معنى هذا ؟

الجواب :

معناه أن الأئمة النقّاد لم يجمعوا على موافقة الإمام مسلم في تصحيح الحديث المذكور لأنه معلول بعلّة قادحة توجب ضعفه .

وكان الحافظ الذهبي – رحمه الله – يقول : ” في صحيح مسلم أحاديث في النفس منها شيء ” ، وفي موضع آخر نقل الذهبي في الميزان عن العقيلي قوله في حديث الخليفتين : “لم يصح في هذا حديث ” .

 ذكر ذلك الذهبي في ترجمة فضالة بن دينار فاستنكر ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان وعقّب عليه بلهجة شديدة فقال : 

 ” هذا هو العجب العجاب ، كيف يقول المؤلف [ يعني الذهبي ] هذا ويُقرأ عليه ، والحديث في صحيح مسلم ، وإن كان من غير هذا الوجه ، وقد راجعت كلام العقيلي فلم أر هذا الكلام فيه ” .

سبحان الله !

صدق من قال : لكل جواد كبوة 

أي ابن حجر أن الحافظ الكبير ، الإمام الذهبي قد سهى عن رواية مسلم ولم يستحضرها فقال ما قال …

الكمال لله …

الحافظ الكبير قد يغلط …

والحافظ الكبير قد يفوته العلم ….

لكن العجب العجاب من الحافظ ابن حجر وليس الذهبي  

لأن العقيلي ذكر ما نقله عنه الذهبي في ترجمة الحكم بن ظهير كما تقدّم فلو أحسن مراجعة القول لوجده في الكتاب كما نقله الذهبي وابن رجب .

ثم العجب العجاب من ابن حجر أيظن أنّ الحافظ الذهبي ومن يقرأ عليه من كبار الحفاظ قد فاتهم – أجمعين – ما رواه مسلم في الصحيح ؟

أيعقل هذا ؟

الذهبي كان مطلعاً على رواية مسلم ، متفطّناً لما فيها من علة قادحة فعلم أنها رواية معلولة انفرد بها  الواسطي عن الجريري المصاب بالاختلاط والخرف عند الكبر .

ولذلك عدّ الإمام الذهبي رواية مسلم من مناكير الجريري في كتابه الميزان  !!

فالعجب العجاب من الحافظ ابن حجر كيف فاته ذلك وقد اشتغل في الكتاب وهذّبه ؟

كما إشار الذهبي إلى رواية مسلم في سير النبلاء فقال : ” ومن غرائب الجريري حديث مسلم ” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ” . اهـــ

وبهذا يتبيّن لك لم سكت الذهبي عن تقرير العقيلي ولم يعقّب عليه .

وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الحديث من رواية أبي هلال عن قتادة فأجاب : ” أبو هلال مضطرب الحديث عن قتادة ، وهذا إنما أسندوه عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد من حديث خالد ، لا يرويه غيره ” !

فقال له صاحبه الأثرم : إنهم يقولون سماع خالد [ يعني من الجريري ] بعد الاختلاط ، قال أحمد : لا أدري . اهـ ذكره أبو بكر الخلال في العلل .

وهذا يعني أن من المتقدّمين من أئمة الحديث من كان يقول : إنّ سماع خالد من الجريري بعد الاختلاط . فما ذكره الأثرم يثير الشك والريبة في رواية خالد عن الجريري ..

وقد تنبّه الحافظ ابن حجر نفسه إلى هذا الأمر فقال في مقدمة الفتح : ” لم يتحرّر لي أمره إلى الآن هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده ، لكن حديثه عنه [ يعني الذي في صحيح البخاري ] بمتابعة بشر بن المفضل كلاهما عنه عن أبي بكرة عن أبيه ” اهـ [ هدي الساري 403 ] .

من أجل ذلك ضعف الإمام أبو الحسن بن القطان [ 562-628 هـ] حديث مسلم وردّ على صاحب الأحكام بقوله : ” لم يبيّن أنه من رواية سعيد الجريري وهو مختلط يرويه عنه خالد بن عبد الله ، وهذا من عمله متكرر يصحح أحاديثه من غير اعتبار لقديم ما روي عنه من حديثه ” . [ ح 1921 ] .

ولو توبع الجريري في روايته عن أبي نضرة أو توبع خالد برواية المتقدّمين عن الجريري لزال الريب وانجبر الكسر ، ولذلك طرح البخاري حديث ” الخليفتين ” ولم يخرّجه في الصحيح ، أما مسلم فلم يأت بحجة تثبت صحة الإسناد فسقطت الرواية .

ونختم بفائدة مُلحقة لأهل الاختصاص من طلبة الحديث :

    هل تذكرون عامل “هارون الرشيد” وولديه “الأمين” و”المأمون “.. 

أعني : داود بن إبراهيم الواسطي قاضي قزوين المتهم بالكذب راوي حديث عودة الخلافة على منهاج النبوة ؟

أتذكرونه ؟

هو الآخر ممن روى حديث الخليفتين عن خالد الواسطي عن الجريري !

رواه تمام الرازي في فوائده ومن طريقه ابن عساكر في التاريخ من رواية محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي قال حدثنا داود بن إبراهيم العقيلي قاضي قزوين ثنا خالد بن عبد الله الواسطي عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله : ” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ” .

وتبيّن من هذه الرواية صحة قول الإمام الرافعي صاحب كتاب التدوين إذ أثبت أن داود بن إبراهيم هو نفسه الواسطي وهو نفسه العقيلي وهو نفسه القزويني ، أي قاضي قزوين المتهم بالكذب .

نسخة للطبع نسخة للطبع