حديث سفينة [ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] صحّحه جماعة من المحدّثين كأحمد بن حنبل وابن حبّان والحاكم وغيرهم …
لهم عذرهم ..
إسناده ظاهره الصحة والحُسن وباطنه الخَرَف والكذب
إسناده معلول بعلّة لا تخطر على بالٍ ، ولذلك مرّ عليهم الحديث مروراً خفيّاً …
حديث سفينة علته سفينة نفسه …
أئمة السنة يكرهون تناول الصحابة بسوء ..
هوّن عليك ..
سفينة ما هو إلا شيخ معمّر أصابه الخرف فزعم الصحبة ولفّق روايات من أحلامه وأسقامه وهذا أحسن ما يُقال فيه …
أعلم أن هذه المقدّمة مزعجة شيئاً ما …
لكن هل الصحابة رضوان الله عليهم معصومون من المرض والضعف ؟ وهل كل من قيل إنه صحابي هو كذلك .
ليس كل من كذب في الحديث هو دجّال يتعمّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم … قد يكون مخرّفاً لا يدري ما يخرج من رأسه …
إنّ المعمّر إذا جاوز خمساً وسبعين أو – الثمانين في قول آخر – فقد بلغ أرذل العمر وأصبح – في الغالب – عرضةً للأمراض العقلية أو ما يعرف بالخَرَف .
تلك طبيعة الإنسان ، والمعصوم من عصم الله
ألم تقرأ قول الله تعالى : ” وخُلق الإنسان ضعيفاً ” .
وقوله سبحانه : ” ومنكم من يُردُّ إلى أرذل العُمُر لكيلا يعلمَ من بعد علمٍ شيئاً ” .
وقوله سبحانه : ” ومن نُعمّره نُنَكِسْه في الخَلْق ، أفلا يعقلون ” .
الحافظ ابن حجر العسقلاني أدرج رجلاً في كتاب ” الإصابة في تمييز الصحابة ” وهو من أوسع الكتب في جرد أسماء الصحابة رضوان الله عليهم .
هذا الرجل هو : ” رتن بن عبدالله ” ويُقال : بن نصر .
قيل هو من الصحابة ! صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه وشهد معه غزوة الخندق !
الله أكبر
روى عنه جماعة من الخلق أحاديثه كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه سلم منها حديث : ” من أعان تارك الصلاة بلقمة فكأنما أعان على قتل الأنبياء كلّهم ” .
ذكرته كمثال ولا أزيد عليه إكراماً للمصطفى عليه الصلاة والسلام
أحاديث يعشقها المتطرّفون الغلاة ..
كان جلال الدين بن موسى الديسري إذا حدّث عن الصحابي رتن يقول : ” أخبرنا الشيخ الكبير ، العديم النظير ؛ رتن بن نصر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” ….
لم يكذب في قوله : ” العديم النظير ” …
هل تعلم من يكون الصحابي رتن ؟
شيخ هندي كبير معمّر ظهر للناس أواخر القرن السادس فزعم أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل حيّاً مذ فارق النبي ، وأنه قد شهد معه غزوة الخندق ، فلتفّ حوله الناس وروى عنه خلق إلى أن مات في القرن السابع الهجري قيل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة …
وممن روى عنه ولداه : محمود وعبد الله وآخرون يطول ذكرهم .
قصته بالطبع تحتاج إلى دراسة …
المشكلة هنالك ناس يصدّقونه ويعدّون ذلك من الكرامات وما ذلك على الله بعزيز وقد عمّر نوح وأصحاب الكهف لمئات السنين ..
خصّص الحافظ الذهبي جزءاً خاصّاً لدراسة هذه الظاهرة ..
فألّف كتاباً خاصّاً بالصحابي رتن ذكر فيه مناقبه وكراماته ومرويّاته عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يرويها الناس ويزعمون …
وتصوّر نفسك في مقام الذهبي … بِمَ تستفتح الكتاب وبأي حجة ترد على المؤمنين به …
أنا شخصيّاً لم أقف على كتاب الذهبي لكن الحافظ ابن حجر اطلع عليه ونقل منه وفيه أن الإمام الذهبي رحمه الله افتتحه بعد البسملة بقوله :
” سُبحانك هذا بهتان عظيم ” ؟
وبقية الحكاية يفهمها اللبيب لا حاجة لسردها ، وقد ترجم الذهبي لرتن في الميزان فقال :
” رتن الهندي ، وما أدراك ما رتن ، شيخ دجّال بلا ريب ... ” .
أما ابن حجر فتمالك نفسه لمقام الصحابة رضوان الله عليهم فختم ترجمته الطويلة بقوله :
” والذي يظهر لي أنه كان طال عمره فادعى ما ادعى ، فتمادى على ذلك حتى اشتهر ، ولو كان صادقاً لاشتهر في المائة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ، ولكنه لم يُنقل عنه شيء إلا في أواخر السادسة ثم في أوائل السابعة قبيل وفاته ” .
وبالطبع لم يذكره ابن إسحاق ولا الواقدي ولا ابن سعد في أسماء الأصحاب ، ولم يذكره ابن حزم في كتابه أسماء الصحابة ، ولا الأصبهاني ولا ابن مندة ولا ابن عبد البر ولا ابن الأثير ولا غيرهم ممن جرد أسماء الصحابة لأنهم ماتوا قبل ظهور فضيحة الهندي .
نعود إلى سفينة ..
قصة سفينة مولى رسول الله هي باختصار : نُسخة مقاربة لكنها أقرب للمعقول من قصة رتن …
مرّت مرور الكرام ولم ينتبه إليها الأعلام …
فتابع معي لتعلم كيف تسلّلت خرافات الأحلام إلى سنّة سيّد الأنام ، والله المستعان .