ثبت في الأحاديث المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أولاً عن ضرب النساء ثم رخّص بالضرب لما ساءت خلق النساء وشكى الرجال نشوزهنّ ثم نهاهم عن ضربهن .
فآخر الأمر كان النهي عن ضرب النساء ، والتسلسل الزمني في ترتيب النهي ثم الرخصة ثم العودة إلى النهي واضح جلي في الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة .
ومن يجوّز نسخ القرآن الكريم بالسنة يلزمه القول بنسخ الأمر بالضرب الوارد في الآية الكريمة ، أو يُقال – وهو الأصوب – : إن الآية محكمة لكنّ القاسية قلوبهم غضباً من زوجاتهم – رضي الله عنهم جميعاً – لم يفقهوا من فرط غضبهم المعنى الصحيح للآية ، ولذلك نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرب حتى يفقهوا المعنى المخصوص بالرخصة ، وهذا أولى من القول بالنسخ ، ثم إن ذلك الضرب ” المخصوص ” لا يكون إلا بالأمر العظيم كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قائلاً : اتقوا الله في النساء .. إلى قوله : ولكم عليهنّ ألا يوطئن فرشَكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرّح ” . رواه مسلم .
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ضرب النساء من سوء الخلق كما جاء في صحيح مسلم أن فاطمة بنت قيس خطبها اثنان من الصحابة معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم فجاءت للنبي صلى الله عليه وسلم تستشيره فيهما فقال لها :
” أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه [ وفي رواية : أما أبو جهم فرجلّ ضرّاب للنساء ] ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد ، قالت : فكرهته [ وكان رضي الله عنه شابّاً أفطس شديد السواد ] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انكحي أسامة ، قالت فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت ” .
ومن ثم اختلف الفقهاء في تفسير معنى الضرب ، وبناء على الأحاديث المتقدّمة مالوا إلى تخفيض درجة الضرب حتى بعض السلف : ” ضرباً غير مبرح ” أي غير مؤثر .
أما ابن عباس راوي قصة النهي عن الضرب بعد الرخصة ففسّر آية الضرب بقوله :
” بالسواك ونحوه ” رواه الطبري .
وفقهاء المسلمين كرهوا زيادة طول السواك عن شبر واستحبّوا أن يكون ليّناً في غلظ الأصبع !
فقوله : ” بالسواك ونحوه ” يعادل عندنا الضرب بقلم الرصاص أو قلم الحبر الجاف .
وهذه النصوص التي سردتها لم يبتدعها المسلمون في العصر الحديث لإرضاء المنظمات الحقوقية ، بل هي نصوص ثابتة مدونة في كتب السنن والتفاسير من قرون …
وما من شك أنّ الضرب بالسواك ونحوه بالنسبة للطرف الآخر – أعني القاسية قلوبهم – هو :
لا شيءَ ، ولا معنى له ، بل هو أقرب إلى الهزل منه إلى الجد .
فما فائدة الأمر بالضرب إن كان المقصود ضرباً كهذا ؟ وما الحكمة من الضرب إن كان ضرباً كهذا
هذا ما سنجيب عليه في المقال اللاحق إن شاء الله .