أنزل الله تعالى من فوق سبع سماوات أمراً بشدّ وثاق أسارى الحرب …
النصّ واضح :
بسم الله الرحمن الرحيم
“فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوَثاق “
تلقى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفرَمان الإلـهي عن رسول الله عن جبريل عن ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم
جاء موعد التنفيذ والعمل …
أقبلت قريش يوم بدر بخيلها وخيلائها تحادّ اللهَ ورسولهَ .
وخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مع المهاجرين والأنصار
وأنزل الله تعالى :
“لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم”
التقى الزحفان في يوم ساخن مشمس .. استبق فيه الخصمان إلى الماء ليتبرّدوا به من لهيب الحر …
فلما بلغت الشمس كبد السماء ، وكانت الحروب في العصور القديمة منهكة للجسم .. صياح وسِباب .. مبارزة بالسيوف .. ورمي بالسهام ومطاعنة بالرماح ..
مصارعة .. مضاربة .. وملاكمة .. مرافسة
والله يكون بالعون ….
بعد يوم طويل متعب منهك انتصر المسلمون وأثخنوا في قريش وأسروا من جنودهم عدداً كان منهم العباس بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم .
فأقبل المساء بعد يوم طويل شاقّ ومنهك ، وحان موعد إنفاذ البند الثاني من الفرَمان الربّاني :
” حتى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق “
المسلمون بالطبع كانوا منهكين من العراك وإن خرجوا منتصرين ..
فقد استشهد منهم عدد من خيرة الأصحاب ، وأصيب آخرون بالجراح والكسور …
هذا يعني أن مشاعر الصحابة رضوان الله عليه كان فيها مزيج من الفرح والحزن ، والألَم والغضب … والوضع – إذاً – لم يزل ساخناً .. العيون محمرّة ، والأوداج منتفخة ….
قاموا لإنفاذ الأمر الإلـهي فشدّوا الوَثاق فكان الفقه والعمل بالشريعة على قدر ما انتابهم من غضب … وهم في نهاية المطاف بشر ينتابهم ما ينتاب البشر من الغضب والألَم والرغبة في الثأر .
ثم أخلدوا إلى النوم وهدأت نفوسهم وبردوا .
لكن في تلك الليلة كان في المسلمين رجل رحيم لم يقدر على النوم ؟
الحكاية رواها ابن سعد في الطبقات وفيها يقول الراوي :
” لما كانت أسارى بدر كان فيهم العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم فسهر النبي ليلته ، فقال له بعض أصحابه : ما أسهرك يا نبي الله ؟
قال : أنين العباس !
فقام رجل فأرخى من وثاقه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي لا أسمع أنين العبّاس ؟
فقال رجل من القوم : إني أرخيتُ من وثاقه شيئاً ،
قال : فافعل ذلك بالأسارى كلّهم ” .
وزاد في رواية أخرى أن العباس حين قدم به في الأسارى طُلب له قميص ، فما وجدوا له قميصاً بيثرب يقدر عليه إلا قميص عبدالله بن أُبي ألبسه إيّاه فكان عليه . انتهى .
فليتأمّل المسلم هذه القصة وهذا الأنموذج الرائع في بيان أثر الرحمة على الفقه والعمل بالشريعة الإسلامية .
” وتلك الأمثال نضربها للناس لعلّهم يعقلون “