أحوال المرضى وشطحاتهم ليست مادة للسخرية كان الله في عونهم، والأخطاء الفردية غير الممنهجة لا تهمّنا، ما يهمّنا هو الخطأ الممنهج المسطّر في دواوين الحركة الجهادية العالمية، هذا ما لا ينبغي السكوت عنه.
من أوائل من أشاع مصطلح “التوحش” في الثقافة الجهادية العصرية “أبو قتادة الفلسطيني” وهو أحد كبار الشيوخ الذين تباهى بهم الظواهري في كتابه “التبرئة”.
قال أبو قتادة :
“يجب علينا تعلّم فن وعلم إدارة التوحّش”
[ مجلة الأنصار/ العدد 99/ صفحة 5/ مجلة قديمة كانت تصدر من لندن مؤيدة للجماعة الإسلامية المسلحة خلال فترة العشرية السوداء في الجزائر]
في البدء قلنا لعله مجرّد توصيف للواقع أو زلة لسان من متشابه الألفاظ لكن في عام 2004 خرج علينا ابن لادن – رحمه الله – بخطاب دعا فيه أتباعه في جزيرة العرب إلى تأسيس مجلس أهل الحلّ والعقد كمقدمة للانتقال من مرحلة النكاية إلى مرحلة الفوضى التي تسبق مرحلة إعلان الإمارة الإسلامية، ولم تمض أيام على خطابه حتى أصدر مركز الدراسات والبحوث الإسلامية التابع للقاعدة كتاباً بعنوان: “إدارة التوحش” نُشر على الموقع الرسمي لمجلة “صوت الجهاد” وقد خصص هذا الكتاب الخطير فصلاً خاصاً عن جهاد الحمقى والمختلين عقليّاً ونفسيّاً حيث حذّر من خطر إطلاع الحمقى على الأسرار التنظيمية أو توظيفهم في المرحلة الأولى من الحركة الجهادية أي مرحلة النكاية لأنها تحتاج إلى السريّة والعمل بالنَّفَس الطويل !
إلى هنا الكلام معقول ومفهوم
لكن الكاتب العاقل المنظر الاستراتيجي حدّد لقادة الجهاد المرحلةَ التي يمكنهم فيها توظيف المجانين وتجنيدهم للجهاد في سبيل الله وهي مرحلة “التوحّش” أي الفوضى الدموية، فكتب يقول:
“أما في مرحلة إدارة التوحش فيمكن تلافي أضرار الحماقة بتفريغ شُحنة الحماس التي يحملها مَنْ فيه ذلك الداء في أعمال كثيرة لا ضرر من إشراكه فيها على رجال الإدارة أو الناس في منطقة الإدارة ولكن يجب الحذر من محاولاته التطلّع أو المشاركة في أعمال لا شأن له بها”
[كتاب إدارة التوحّش/ صفحة 71]
وهذا يعني أنّ العدناني خطيب داعش لما أمر الذئابَ المنفردة خارج دولته بالطعن والدهس والبصق والرفس والركل لم يكن يذكر ذلك اعتباطاً لهواً ولعباً بل كان توجيهاً ضمن خطة استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تجنيد الحمقى للجهاد في سبيل الله .
هذه البلايا التي يجب على العقلاء إصلاحها وتبرئة الإسلام والجهاد منها.
أين النصوص النبوية المتواترة التي تشدد على حرمة الدماء وتنهى عن الإسراف في القتل؟ أين النصوص النبوية المتواترة التي تحذر من الفتن والهرج والقتل وتأمر باعتزالها وعدم الخوض فيها، أين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً”
فكان ابن عمر راوي هذا الحديث النبوي يقول:
“إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدم الحرام بغير حِلّه”
رواه البخاري.
بدلاً من دفع المجنون إلى مصحّة العلاج تدفعونه للخوض في الدماء ! اتقوا الله في المرضى