﴿ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾
[سورة المائدة – آية 32]
قال مجاهد صاحب ابن عباس في تفسير هذه الآية الكريمة : “من كفّ عن قتلها – يعني النفس الإنسانية – فقد أحياها، ومن أنجاها من غَرَقٍ أو حَرْقٍ فقد أحياها”.
مقصوده أنّ من أنقذ نفساً إنسانية من الموت فكأنما أحيا الناس جميعاً هذا معنى الإحياء في الآية الكريمة، بل في شريعتنا الإسلامية ما هو أوسع من ذلك فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة امرأة بغي من المومسات مرّت على كلبٍ يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خُفّها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فسقته فغُفر لها بذلك [رواه البخاري].
هذا ما يُعرف في الإسلام بمكارم الأخلاق وقد تجلّت هذه القِيَم الأخلاقية الجليل خلال الحرب الدينية العالمية الطاحنة بين المسلمين والصليبيين في القرن الثاني عشر عند غزو الحملات الأوربية الصليبية لما انتزعت مدينة عكا من المسلمين، وكانت المدينة حصناً منيعاً على ساحل البحر مسوّرة بسور ضخم فحاصرها المسلمون من البرّ فلم يعد للصليبين منفذ إلا البحر، صبر الصليبيّون على الحصار ورفضوا الاستسلام وفي سنة 586 هـ / 1190م حلت بهم كارثة إنسانية فقد قلّ الطعام واشتد الغلاء في المدينة المحاصرة حتى بلغت غرارة الحنطة أكثر من مائة دينار صوري فأذن القائد الأعلى للجيوش الإسلامية؛ السلطان صلاح الدين الأيوبي بفتح نافذ آمنة لمدّهم بالطعام، المدينة المحاصرة فيها أطفال ورُضّع، فيها شيوخ ونساء …
نحن لا نتكلم عن إجراء في حالة سلم نحن نتكلم عن إجراء في حالة حرب بل خلال الحرب الدينية، عن أعداء غزاة محتلين.
قصة روائع التاريخ الإنساني وثّقها المؤرخ الإسلامي المعاصر لتلك الفترة الحافظ ابن الأثير في تاريخه الكامل قال رحمه [ج9/ صفحة 209]:
وكان المسلمون يحملون إليهم الطعام من البلدان، منهم الأمير أسامة مستحفظ بيروت، كان يحمل الطعام وغيره، ومنهم سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب كان يحمل من صيدا أيضاً إليهم وكذلك من عسقلان وغيرها، لولا ذلك لهلكوا جوعاً خصوصا في الشتاء عند انقطاع مراكبهم عند تهييج البحر”.
الدمار الشامل الذي حلّ بتركيا وسوريا بسبب الزلزال يوجب على البشرية التحرّك فوراً على عجل لنجدة المنكوبين والمحاصرين تحت الأنقاض، ليس هذا وقت الخلافات الدينية والمذهبية والمناكفات السياسية ضعوها جانباً وهبوا لنجدة النفس الإنسانية .. الدقائق معدودة !
إخواننا الفقهاء الأمر قد تجاوز فقه النوازل إلى فقه الزلازل .. كل ثانية محسوبة هبّوا لنجدة المنكوبين وحرضوا على الإغاثة
﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾