نملة سليمان ومنظومة الإنذار المبكر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“إنما مَثَلي ومَثلُ ما بعثني الله به كمثل رجلٍ أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيتُ الجيشَ بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء، فأطاعته طائفة فأدلجوا فانطلقوا على مُهلتهم، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيشُ فأهلكهم واجتاحهم”

إلى آخر الحديث رواه البخاري ومسلم

“النذير العريان” تشبيه مجازي كان معروفاً عند العرب ويعني النذير الذي لا يجد متسعاً من الوقت ليلبس ثيابه فيخرج إلى قومه عرياناً لينذرهم على عجل، يعني كل ثانية وكل دقيقة بحسابها، وقيل: بل هو الذي يسابق سرعة الصوت والجري فينزع ثوبه ويشير به إلى قومه من بعيد لينذرهم بما دهمهم، يعني إنذار عاجل بسرعة الضوء يحتاج إلى إجابة عاجلة لا تحتمل التراخي أو التأجيل.

منظومة الإنذار المبكر في درنة كانت للأسف فاشلة بكل المقاييس حتى بمقاييس القرون الأولى، وأنا لا أقصد نفي وجود الإنذار المبكر بل العكس صحيح، كم من نذير من أهل الاختصاص قد حذر مراراً وتكراراً لسنوات مضت وعلى جميع وسائل الإعلام من خطر انهيار السد الركامي الهَرِم.

الإنذار المبكر يجب أن يكون في إطار منظومة متكاملة مسؤولة تُعنى بتوفير طلائع الرصد وتحقق أهل الخبرة والاختصاص من درجة الخطر ثم الإنذار السريع ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة والعاجلة للتعامل المناسب مع نوع الخطر.

هل يُعقل أن تكون للفراعنة قبل آلاف السنين منظومة للإنذار المبكر للتقليل من آثار فيضان النيل ولا يكون مثلها في درنة ؟

الإنذار المبكر كان يبدأ من أعالي النيل من بلاد السودان وممالك النوبة كان الناس يوقدون النار على الصروح العالية عند جَري النيل وارتفاع منسوبه فيوقد من بعدهم من المصريين وأهل الصعيد في أعالي النيل ناراً فيوقد من وراءهم ناراً وهكذا حتى يبلغوا أسفل النيل أي الدلتا شمال مصر، فيتخذ الفلاحون والنظام الحاكم الإجراءات المناسبة لتفادي كارثة الفيضان، وكان الملك السبئي “أبرهة ذو المنار” وهو ملك قديم جداً كان قبل الإسلام بقرون غير أبرهة الحبشي ذكره وهب بن منبه في تاريخ ملوك حمير، كان قد غزا شمال إفريقية وتبعه بنو بربر بن كنعان، وكان أول من ضرب المنار على طريقه في مغازيه للإنذار المبكر وليهتدي به إذا رجع.

إن لم يعجبكم هذا فتأملوا الإنذار المبكر عند النمل وحكمة الإجراءات المناسبة لتفادي الخطر الداهم كما قال الله تعالى حاكيا قصة سليمان عليه السلام والنمل

“حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فتبسّمَ ضاحكاً من قولها”

وطبعاً إجراء الوقاية من خطر الوطئ بالأقدام بالنسبة للنمل كان بدخول المساكن والملاجئ لكن الوقاية من الطوفان لا يكون بلزوم المنازل في بطن الوادي … يا حفتر !

هل تعلمون لماذا كانت الفراعنة قبل المسيحية تقدس الجبل المقطع [يُعرف حاليا بالمُقطّم وهو مقدس عن المسيحيين القبط كذلك ونُسجت حوله أساطير]، الجواب يسير: لأن الناس كانوا إذا فاض النيل يهرعون إليه فينقذهم من الموت، حتى فرعون كان يصعد إليه ويوقد عليه ناراً لينذر قومه.

فإن لم تعجبكم سياسة الفراعنة فتعلموا من سياسة الصحابة رضوان الله عليه لما فتحوا مصر قبل أربعة عشر قرناً نزلوا قريباً من النيل، فلما رأى سيدنا عمرو بن العاص جري النيل وارتفاع منسوبه واستشعر خطره خط الخطط “الإسكانية” بعيداً عن النهر في أرض مرتفعة فنقل إليها الوافدين من قريش ثم نقل بني المعافر وغيرهم وخط المسجد وأقام مدينة الفسطاط ذكر هذا المؤرخ ابن عبد الحكم المصري [المتوفى سنة 257 هـ] في كتابه فتوح مصر.

أيعقل هذا ؟  

حظر التجوال ومنع سكان درنة من الفرار والصعود من بطن الوادي.

أيعقل هذا ؟

الناس في القرون الغابرة في الجاهلية والإسلام كانوا أعلم بأصول تخطيط العمران المنظم من أهل درنة وجُدّة تهامة في القرن الواحد والعشرين .. أتبنون بيوتكم في القديد وبطون الوديان.

وا خزياه

لا أشمتُ بالضحايا – معاذ الله ورحمة الله عليهم – ولكنني غاضب من قوم تنازعوا على المُلك والسلطة والجاه والسلاح والرتب العسكرية وهم لا يعرفون ما معنى الدولة ولا الواجب على السلطة.

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته”

#طوفان_درنة

نسخة للطبع نسخة للطبع