أما آن للظواهري أن يستقيل فيستريح ويُستراح منه

من فوائد غزوة مؤتة أو غزوة جيش الأمراء مشروعيةُ اتخاذ الإجراءات الإدارية الاحتياطية في الظروف الاستثنائية ما لم يكن فيها غدر أو خديعة أو غشّ .

 “لا غشّ بين المسلمين ، من غشّ المسلمين فليس منهم” 

توقع النبي صلى الله عليه وسلم إصابة زيد بن حارثة الأمير الأول فعيّن للناس خليفته وولي عهده إنْ هو أصيب ، كما توقّع إصابة جعفر الأمير الثاني فعيّن للناس ابنَ رواحة  خليفة الخليفة وولي ولي عهده إن هو أصيب ، فقدّر الله ما كان متوقّعاً وأسوأَ منه ، قتل الأول والثاني والثالث رضي الله عنهم ، فتناول الراية أميرٌ رابعٌ لم يكن من الأمراء ، هو أمَّر نفسه فاجتمع الناس عليه .

فلو كانت قيادة الطالبان ذاتَ بصيرة لفعلت مثل ذلك ، لأن الخطر قد أحيط بزعيمهم منذ فراره إلى جهة غامضة مجهولة سنة 2001 وأصبح على رأس المطلوبين الذين تصطادهم وتتخطّفهم الطائرات الأمريكية بعد هزيمتهم وزوال دولتهم وافتراقهم في الكهوف والشعاب والوديان ، فلماذا لم يعيّن الملا عمر وهو الزعيم المطاع وليَّ عهد يجتمع الناس عليه بمباركته فلا ينفرط عقدهم إنْ هو أصيب ؟

وهذا السؤال الوجيه يحيلنا إلى سؤال آخر عن طبيعة مرض الملا عمر ، إذ لو كان مريضاً بذات الرئة أو ” السُلّ ” كما زعموا فلماذا لم يجمع الناس على خليفة له قبل موته فمرض السلّ نذير موت بطيء . 

ألا يدعو ذلك للشكّ في طبيعة موت الملا عمر ؟

ألا يقوي ذلك احتمال هلاكه بالموت الزؤام أو القتل كما قتل ابن لادن فاضطر مُضيّفوه إلى كتمان خبره لإنكارهم ضيافته على أرضهم؟

أما الحكمة الثانية من الحديث النبوي فهي الشفافية المطلقة في النظام الإسلامي القائم على البر والصدق ، لأنّ الجيش الغازي كان في مؤتة على تخوم الشام  مسيرة شهر عن المدينة المنورة ولم تكن وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية متوفّرة في ذلك الزمان ، فأطلع الله نبيّه على الغيب فعلم بإصابة الأمير الأول فأخبر الناس بالفاجعة ، ثم علم  بخبر الثاني فأخبر الناس ، ثم علم بخبر الثالث فأخبر الناس فوراً ، أولاً بأول ، ولم يعهد المسلمون أصابة موجعة مثلها من قبل .

لم يكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر الإصابة …

ولم يزوّر الحقيقة للحفاظ على الروح المعنوية العالية …

نقل الحقيقة بشفافية أولاً بأول …

الخبر مرّ والمصيبة عظيمة لكنها دولة مؤسسات وأمة بناؤها عقيدة الإسلام ، آمنت بأن الخلود لله وحده ، هو الأول وهو الآخر ، فمن كان يعبد الله فإن الله حي الذي لا يموت ومن كان يعبد الناس فإن الناس يموتون .
نَقْلُ الحقيقة المرّة تستوجب الاستعداد والتأهب لما وراءها ، ولو اتبع الناس هدي نبيّهم لما وقعت نكسة 1948 ونكبة 1967 ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ .

وشهد شاهدٌ من أهلها – كما ذكرنا في مقال سابق – أعلن الداعشي حافظ سعيد خان عامل البغدادي على خراسان عن وفاة الملا عمر واتهم قيادة الطالبان بالعمالة للمخابرات الباكستانية .

فقالوا : كذّاب أشر *

فأجابوهم : ستعلمون غداً من الكذاب الأشر ، ضرب الله بعضهم ببعض ، واستفتحوا فجاءهم الفتح ، وجاء الغد بالفضيحة الكبرى والحقيقة المخزية .

صدق الداعشي ، مات الملا عمر قبل ” فترة ” وعُمّي على الناس قبره وخبر موته أو قتله .

وخلف من بعده خلفٌ بين فاعل ومفعول ؛

عصابة من الكذّابين الأَشِرين الغشّاشين المدلّسين المتخصصين في إصدار الفرمانات المزوّرة ، والتوجيهات المفبركة

وجماعة من المغفلين المخدوعين فكان الحال كما قال الشاعر :

سوف ترى إذا انجلى الغبارُ     أفرسٌ تحتكَ أم حمــــارُ

أما الظواهري الذي نهض للبغدادي حَسَداً ، ثم اتخذ سبيله سَرَباً ، ثم جنّد أجناد الهند ضِراراً ، فعقد لهم لواء الزور جهاراً ، ثم ولّى مدبراً ولم يُعقّب ، خنس وأطبق شفتيه فسكت حتى إذا بلغ مسلسل الدجل المكسيكي حلقاته الأخيرة عاد إلينا من جديد ومعه كتكوت من ورق الجنة يواري به سوءَته ، بتنسيق من جهة غامضة . 

أُفٍّ لهذا المسلسل الطويل المقيت 

أما آن للظواهري أن يستقيل فيستريح ويُستراح منه

كفاية !

ارحموا الشعبَ الأفغاني

لا يرحم الله من لا يرحم الناس

نسخة للطبع نسخة للطبع