روى مؤرخ الديار المصرية ابن عبد الحكم المصري [متوفى 257 هـ] في كتابه “فتوح مصر” بإسناده عن مفتي الديار المصرية؛ شيخ شيوخ المصريين، التابعي المجمع على الاحتجاج به سيدنا “يزيد بن أبي حبيب المصري” [متوفى 128هـ] قال:
“كان عبدُ الله بن سعد بن أبي سرح عامِلَ عثمان على مصر في سنة إحدى وثلاثين، فقاتله النوبة، وإنّ عبد الله صالحهم على هدنة بينهم، على أنهم لا يغزونهم، ولا يغزوا النوبة المسلمين، وأن النوبة يؤدّون كلّ سنة إلى المسلمين كذا وكذا رأساً من السبي، وأنّ المسلمين يؤدّون إليهم من القمح كذا وكذا ومن العدس كذا وكذا في كل سنة”.
قال ابن أبي حبيب : “وليس بينهم وبين أهل مصر عهد ولا ميثاق، إنما هي هدنة أمان بعضنا من بعض” اهـ.
تأمل ذلك الصلح النفيس وكان مكتوباً في وثيقة محفوظة في ديوان الفسطاط مقر الإمارة المصرية، وقد روى ابن عبد الحكم عن بعض المشايخ المتقدّمين أنه نظر فيها قبل أن تنخرق [أي تتلف لطول الزمن] ومما وجد فيها:
“وتدخلوا بلادنا مجتازين غير مقيمين، وكذلك ندخل بلادكم على أنكم إن قتلتم من المسلمين قتيلاً فقد برئت منكم الهدنة … إلخ”.
وروى أبوعبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ في كتاب “الأموال” وعنه ابن زنجوية المتوفى سنة 251هـ في كتابه ” الأموال” عن إمام الديار المصرية الليث بن سعد أنه قال:
“إنما الصلح بيننا وبين النوبة على أن لا نقاتلهم وأنهم يعطونا رقيقاً ونعطيهم طعاما” اهـ.
وهذا يعني أنّ الصلح الدائم بين الدولتين؛ الإسلامية والنصرانية كان مرفوقاً بإجراءات للتطبيع وحسن الجوار والتبادل التجاري دون اشتراط جزية الصغار !
فمن يكفر المسلمين بمثل هذا عليه أن يبدأ بتكفير السلف الصالح رضوان الله عليهم !