الرق والعبودية في الإسلام ج1

مُذْ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً  *

كلمة عظيمة .. إليها المنتهى في تأصيل قوانين العدالة الإنسانية …

قالها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..

فهم ثاقب ، وفقه حكيم مستنبط من جوهر الشريعة الإسلامية …

لم تكن مجرّد هفوة أو زلة لسان ..

كان الرقّ والاستعباد موروثاً جاهليّاً من الماضي السحيق نشأ قبل بزوغ فجر الإسلام وهو من إفرازات الظلم الاجتماعي ، والبغي العدواني البهيمي ، والتمييز العنصري بين الناس من بني آدم ، ظلمات بعضها من بعض .

وإن مما يُحزن القلب ويُدمع العين أنْ يخرج علينا من المنتسبين إلى الإسلام في هذه السنين المظلمة من يدعو للعودة إلى نظام الرق والعبودية بعد أن استراحت البشرية من ذلك النظام البئيس ، ثم يقوم بإحياء الضلالة قولاً وعملاً ، ومن حُرم الفقه في الدين فقد حُرم الخير كله ، ومن يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين .

أيها العقلاء ؛ إنّ قضية الرق من القضايا الفقهية التي أشكلت على جماعة من فقهاء السلف والخلف ولذلك سبب يعرفه الراسخون في العلم ، فالدين الإسلامي الذي بُعث به المصطفى لم يُعالج مشكلة الرقّ دفعة واحدة بل عالجها بتسلسل تدريجي لكونها معضلة مشبّكة بنُظم اجتماعية واقتصادية معقّدة كانت سائدة في ذلك العصر .

ومثالها – للتقريب – معضلة الخمر التي أدمن عليها الناس منذ العصور السحيقة فعالجها الإسلام بشكل تدريجي ، وقد ثبت في الصحيح أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أي قبل الهجرة بإنائين ، أحدهما فيه خمر ، والآخر فيه لبن ، فقال له : خذ أيهما شئت ، فاختار اللبن فشربه ، فقال له جبريل : ” أصبتَ الفطرة ولو أخذتَ الخمر لَغَوت أمتك ” .

لكن القرآن الكريم لم ينزل بتحريم الخمر في العهد المكي ، وفي العهد المدني مرّ تحريم الخمر بمراحل تدريجية يعرفها الفقهاء والمحدثون ، حُرمت أنواع وأصناف محدّدة من الخمر ثم حُرمت الخمر كلها ، قليلها وكثيرها ، ولذلك أشكلت نصوص تحريم الخمر على بعض الفقهاء من السلف فاختلطت عليهم ، ومذهب الكوفيين في إباحة قليل النبيذ لا يخفى على طالب العلم ، واحتاجت القضية الفقهية إلى زمن طويل ليستقرّ الأمر على الإقرار بانعدام الفارق بين أصناف الخمور ، وهذا الذي يقرّه العقل السليم والعلم الحديث ومن فقه جوهر الإسلام ومقاصده .

    من تدبّر القرآن الكريم والسنة النبوية وعرف جوهر الإسلام ومقاصده الجليلة يعلم أنّ نبي الرحمة الذي بُعث بالعدل والإحسان إنما جاء للقضاء على نظام الرق والعبودية ، منذ أن بُعث فكان من أوائل ما نزل من القرآن الكريم في العهد المكي :

” فلا اقتحم العقبة . وما أدراك ما العقبة . فَكُّ رقبة ”

[ 90/ 13 ] .

إلى أن مات صلى الله عليه وسلم حتى كان آخر ما تكلّم به وهو يلفظه أنفاسه الأخيرة :

” الصلاةَ الصلاةَ ، وما ملكت أيمانكم “

فمات صلى الله عليه وسلم وهو يردّدها كما ثبت في السنن .

الله أكبر … شيء عظيم أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلفظ أنفاسه …

    شيء تمنّى على أمته أن يقوموا بإتمامه على وجه الكمال من بعده كما أمر بإتمام الأمن وإنْ لم يتحقّق ذلك في عهده على وجه التمام كما جاء في صحيح البخاري أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قطع السبيل ، فقال له رسول الله : ” إنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير ” .  وقال لآخر استبطأ النصر : ” والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب [ وفي رواية : الظعينة ] من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئبَ على غنمه ، ولكنّكم تستعجلون ” . 

ـــــــــــــــــــــــــ

* ثبت هذا الأثر من قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسند الصحيح المتصل كما سنبيّنه إن شاء الله لاحقاً .   

نسخة للطبع نسخة للطبع