ومن الصوفية من يتخذ مسلكاً آخر هو أقلّ ضرراً بعيداً عن التكفير والتفجير الذي أصبح سمة الخوارج .. وإن كان فيه شطط وبعد عن الهدي النبوي …
القيام إلى الرقص والطرب !
فلسفة الرقص الصوفي ترجع في الأساس إلى التعبير عن الفرح بلقاء الله سبحانه وتعالى أو هو أداة من أدوات التركيز الذهني والقلبي .
طبيعة الإنسان أنه إذا فرح بشيء يشغله عمّا سواه من الغمّ والهمّ اضطرب قبله وجسده فرحاً وسروراً ، فربما سلك مسلك الهذيان والجنون للتعبير عن فرحه ، ومن جهة أخرى فإن الاضطراب الجسدي يقوم بإفراغ الشحنات الزائدة التي تفرزها الغدد عند الفرح المفرط .
يشهد لذلك ما رواه مسلم في الصحيح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” للهُ أشدّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيِسَ منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلّها قد أيس من راحلته [ أي فقد الأمل في العثور عليها وهو تائه في صحراء لا ماء فيها ولا شراب ] فبينما هو كذلك إذا هو بها ، قائمةً عنده !فأخذ بخطامها ثم قال من شدّة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربّك ، أخطأ من شدّة الفرح ” .
ويُفهم من هذا الحديث النبوي أنّ العقل والحواس لا تتأثر فقط بالإفراط في الغضب ، بل تتأثر كذلك بالإفراط في الفرح ، وقد يجد الشيطان وليجة لهذا الباب أو ذاك الباب ، وإن كان الغضب – من وجهة نظري – هو أشد خطراً لما فيه من تهييج على العدوان والبغي فيتعدّى الضرر إلى الغير بخلاف الفرح .
ويجب أخذ ذلك في الاعتبار عند النظر في قضايا العذر بالجهل ، والله جلّ وعلا يقول : ” ليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ، ولكن ما تعمّدت قلوبكم ، وكان الله غفوراً رحيماً ” .
ومن هذه المقدمة الموجزة يعلم القارئ الكريم أن الموضوع لا صلة له بالرقص الماجن المقرون باللهو واللعب والفجور
الرقص الذي نقصده ما هو إلا شطحة صوفية للتعبير عن الفرح الديني وقد يكون تصرّفاً عفويّاً خارج عن السيطرة والإدراك .